مراسلو الجزيرة نت
لندن- تحول شارع مسجد “فينسبري بارك” إلى مائدة إفطار كبيرة التأم حولها مئات الأشخاص من المسلمين وغيرهم، للمشاركة في تظاهرة “إفطار الشارع” (Iftar Street) التي ينظمها المسجد منذ 5 سنوات، وتلقى إقبالا كبيرا من طرف قاطني المنطقة.
وكعادته ينجح الإفطار في جمع كل مكونات المجتمع من المسلمين واليهود والمسيحيين، إضافة لبرلمانيين وممثلين محليين عن المنطقة التي تعتبر من أشهر مناطق لندن، وهي القريبة من معقل نادي “أرسنال” الإنجليزي.
وبمجرد النزول من محطة القطار “فينسبري بارك” تستقبلك الأصوات القادمة من محيط المسجد، وما إن تقترب منه حتى تجد الشارع وقد تحول إلى طاولة كبيرة، بجلوس المئات على الأرض في صفوف متقابلة في انتظار أذان المغرب.
وقبل لحظة الإفطار، يصل إلى المنصة -التي نُصبت أمام مسجد “فينسبري بارك”- عدد من المسؤولين البرلمانيين والمحليين، إلى جانب مسؤولين أمنيين لإلقاء كلمات أمام الحاضرين، تصب جميعها في “قبول الاختلاف والاحتفاء بالتنوع ونبذ العنصرية والكراهية”.
وبين المنصة والحاضرين هناك العشرات من المتطوعين الذين يتحركون كخلية نحل من أجل توزيع الطعام والماء على الحاضرين، ولا يفرقون بين مسلم وغيره. فالجميع مدعو لمائدة “إفطار الشارع” أيا ما كانت ديانته، وهذا ما يشجع عددا من الأجانب الذي حضروا بأعداد معتبرة، منهم من قاده الفضول للتعرف على هذا الحدث، ومنهم من تعود على الحضور.
لا للكراهية وأهلا بالتسامح
حضرت العمدة الشرفية لمنطقة “إيزلينغتون” ماريان سبال، والتي تحدثت أمام الحضور تحث فيهم على التسامح والاحتفاء بالتنوع، مشيدة بما يقوم به مسجد “فينسبري بارك” ومعبرة عن فخرها بالانتماء لمنطقة تعرف تنظيم مثل هذه الأنشطة التي تفتح بابها للجميع ودون استثناء.
أما قائد شرطة المنطقة فقد تحدث في كلمته المقتضبة عن نقطة أساسية ومهمة، وهي جرائم الكراهية، مؤكدا “لن نتساهل مع جرائم الكراهية، وأدعو كل من يتعرض لحادث عنصري أو اعتداء بدافع الكراهية للتبليغ عن الأمر لأن مثل هذه السلوكيات لا يمكن لها أن تمر مرور الكرام، وعلينا أن نوصل جميعا رسالة مفادها أن هذه الجرائم مرفوضة ومدانة”.
بدوره، وضع رئيس مجلس أمناء مسجد “فينسبري بارك” محمد كزبر هذا الإفطار في سياق الأزمة المعيشية التي تمر بها بريطانيا، مؤكدا -في حديثه للجزيرة نت- أن “الإفطار تعبير من مسلمي بريطانيا عن التضامن والتكافل مع جميع المحتاجين، أيا ما كانت ديانتهم”.
وأكد كزبر أن “إفطار الشارع” -الذي انطلق قبل 5 سنوات- “كان أفضل رد على الأحداث العنصرية والإرهابية التي استهدفت المسجد” معبرا عن رضاه عن مستوى الإقبال “أنا سعيد والحمد لله بحجم التفاعل حيث حضر أكثر من ألفي شخص، وكذلك بعدد التظاهرات التي باتت تعرفها البلاد لتنظيم الإفطار بالأماكن العامة”.
مرحبا بالجميع
يقف البريطاني محمد على رأس طاولة من بين 10 طاولات مفرقة على الشارع لتوزيع الطعام، مرتديا سترة زرقاء تميزه وبقية المتطوعين، وبكل نشاط وفرح يوزع الوجبات على الجميع بدون استثناء “شعور جميل وأنت تشاهد كيف يجتمع المسلم مع غير المسلم على مائدة الإفطار” هكذا يقول الشاب للجزيرة نت، قبل أن يواصل حديثه بالتعبير عن فخره “عندما أرى غير المسلمين يقفون وهم يتابعون بإعجاب ممارسة المسلمين لشعائرهم ويشاركونهم إياها”.
وحضر وسام -وهو شاب بريطاني من أصول فلسطينية- مع صديق له للإفطار، وهما يحاولان العثور على مكان لتناول الطعام “هذه ليست المرة الأولى التي أحضر فيها لإفطار في الشارع، لكن المختلف هذه المرة أنني جلبت معي صديقي الذي عبر عن إعجابه بالفكرة لما تحمله من قيم التضامن والتعايش بين الجميع خصوصا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد”.
وأكد أن “إفطار في الشارع كان من أوائل التظاهرات التي فكرت في تنظيم إفطار بمكان عام يجمع المسلمين وغيرهم، وها هي الفكرة الآن تنتقل في مختلف المدن ويتم تنظيم الإفطار في أهم الأماكن في البلاد، وهذا أمر إيجابي ورسالة للتعايش”.
ولا تتوقف حركة الشارع بين جالس لإكمال إفطاره، ومن يبحث عن مكان، ومن أنهى للتو صلاته، وبين المتطوعين الذين يوزعون الوجبات، يحدث كل هذا أمام رجال الشرطة الذين حضروا لتأمين المكان، فنالهم أيضا حظ من وجبات الإفطار التي تم توزيعها عليهم.