الاقتصاد ظاهرها والسياسة باطنها.. مظاهرات عنيفة في نيروبي وتحذيرات من تصاعدها | سياسة

نيروبي- شهدت العاصمة الكينية نيروبي مواجهات عنيفة بين الشرطة وأنصار زعيم المعارضة رايلا أودينغا، أسفرت عن تهشيم عدة ممتلكات والقبض على ما لا يقل عن 3 نواب من المعارضة والعديد من المتظاهرين.

والأسبوع الماضي دعا زعيم المعارضة إلى مظاهرات أسبوعية يومي الاثنين والخميس، وذلك لدفع الرئيس وليام روتو للاستقالة أو تخفيض تكلفة المعيشة، وحاول المحتجون الوصول إلى القصر الرئاسي كما كان مخططا، إلا أن الشرطة منعتهم بعد أن أغلقت كل الطرق المحيطة بالقصر.

يأتي ذلك في الوقت الذي شهدت فيه العاصمة شللا اقتصاديا يوم الاثنين الماضي بعد أن أغلقت معظم المتاجر أبوابها خشية عمليات النهب، ما تسبب في خسائر بنحو ملياري شلن كيني (15 مليون دولار)، بحسب ريغاثي غاتشاغوا نائب الرئيس الكيني، الذي دعا إلى إلغاء الاحتجاجات والتفكير في الخسائر التي لحقت بالاقتصاد.

المظاهرات انطلقت منتصف الشهر الجاري وكان دعا لها زعيم المعارضة لتكون أسبوعيا يومي الاثنين والخميس (رويترز)

أسباب اقتصادية

في أواخر فبراير/شباط الماضي أعلن زعيم المعارضة رايلا أودينغا أن لدى حكومة الرئيس وليام روتو 14 يوما لتحسين الأوضاع المعيشية للكينيين، قبل إعلان التحرك في الشارع، وفي 14 من الشهر الجاري أعلن أودينغا نهاية المهلة، ودعا أنصاره إلى النزول بكثافة في المسيرة التي سينظمها نحو القصر الرئاسي.

يأتي ذلك احتجاجا على التدهور الاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ بداية العام الجاري، وهو ما يربطه خبراء اقتصاد بانهيار العملة المحلية أمام الدولار خاصة في آخر 60 يوما، ما أدى إلى نقص في الاحتياطي النقدي الأجنبي لم تشهده البلاد منذ عام 2008.

ونفى وزير التجارة الكيني مسؤولية الحكومة في هذه الأزمة واعتبرها قضية عالمية تعود للظروف التي يشهدها العالم ولسياسات الاحتياطي الفدرالي الأميركي.

في هذا السياق، توقع الخبير الاقتصادي إبراهام كاماو أن تزيد الاحتجاجات الأسبوعية من تأزيم الوضع، مشيرا إلى أن توقف النشاط الاقتصادي سيتسبب في إغلاق المشاريع واهتزاز ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد الكيني، وهو ما يعني تقلصا في تدفقات النقد الأجنبي.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف كاماو أن تعنت الجانبين وإصرارهما على موقفيهما، سيوقع السقف على الجميع ما لم يوجد حل لإيقاف هذه التجاذبات.

وأسفرت الأزمة الاقتصادية عن ارتفاع في أسعار البنزين بسبب نقص الدولارات، وصرح رئيس رابطة أصحاب المضخات مارتن تشومبا بأن هناك وقودا كافيا في المستودعات، لكن الشركات لا تملك الدولارات الكافية للشراء.

وللتقليل من آثار هذه الأزمة لجأت الحكومة إلى بعض الدول الخليجية للحصول على الوقود بدفع مؤجل يصل إلى 6 أشهر.

هذه الأزمة أثرت مباشرة على معيشة الكينيين، حيث ارتفعت تكلفة الكهرباء في المنازل، كما أظهر مؤشر أسعار المستهلك التابع لمكتب الإحصاء الوطني ارتفاع التضخم، في الوقت الذي شهدت فيه المحلات التجارية تقلصا في الطلب على السلع والخدمات.

وفي هذا الصدد يقترح الخبير الكيني في مجال الطاقة جورج واشيرا، ترشيد الواردات بإعطاء الأولوية للمواد التي تسهم في الإنتاج المحلي مثل الأسمدة والآلات، والاستغناء عن الوقود المستورد عبر برامج النقل الكهربائي.

الدعوة للتظاهر خلفها أسباب سياسية واقتصادية وستزيد من تأزم البلاد، بحسب مراقبين (رويترز)

الأسباب السياسية

رغم أن تركيز زعيم المعارضة على الأوضاع الاقتصادية لدعوة أنصاره للتظاهر، فإنه لم يخف الدافع السياسي في بعض المناسبات.

فمنذ إعلان فوز وليام روتو بالرئاسة في أغسطس/آب الماضي، رفض أودينغا الاعتراف بالنتيجة، وبدأ سلسلة تحدياته لشرعية روتو، حيث قدم طعنا للمحكمة العليا، إلا أنها رفضت التماسه بدعوى عدم كفاية الأدلة، مما حدا بحليفه الرئيس السابق أوهورو كينياتا إلى تسليم الحكم لوليام روتو في سبتمبر/أيلول الماضي.

إلا أن رايلا أودينغا واصل احتجاجاته، معتبرا أنه تمت سرقة فوزه، مطالبا الرئيس روتو بالسماح له بالتثبت من خوادم الحواسيب التي تم اعتمادها لحساب الأصوات، والتراجع عن تسمية أعضاء جدد للجنة الانتخابات. غير أن الرئيس تجاهل هذه المطالب، وهو ما اعتبره أودينغا سببا كافيا للتظاهر إلى جانب المطالب الاقتصادية.

من جهته، عكس الرئيس وليام روتو الهجوم قبل يوم من المظاهرات، حيث اعتبر أن السبب الحقيقي وراء دعوة أودينغا للتظاهر هو لي ذراعه لتقاسم كعكة الحكم، متهما إياه بأنه كان وراء العديد من محاولات الانقلاب منذ سنة 1982.

وفي تصريح للجزيرة نت حول هذه التجاذبات السياسية، قال المحامي والمحلل السياسي جافاس بيغامبو إن احتجاجات المعارضة استندت على الحق الدستوري في التظاهر، إلا أنه لم يستبعد أن من وراء الفوضى التي رافقت الأحداث أيادي خفية ليس من مصلحتها أن يتقارب روتو مع رايلا، لأنها تتغذى من هذا الاستقطاب الثنائي.

ودعا بيغامبو زعيم المعارضة أودينغا إلى تأطير أنصاره لعدم الانجرار وراء العنف، كما دعا الرئيس الكيني إلى الطلب من الشرطة حماية المتظاهرين وليس قمعهم، وذلك حتى يصل الطرفان إلى تفاهمات لا يمكن أن توجد في ظل أجواء العنف.

ماذا بعد المظاهرات؟

من جهته، يرى أستاذ القانون ماكوا موتاوا أن كينيا تعيش هذه الأيام “كسوفا سياسيا حادا بالديمقراطية عن مسارها بسبب انتشار الفساد”، بحسب وصفه، مضيفا في تصريحات صحفية أنه يجب على النخبة الالتحام بالشعب للثورة على الطبقة الحاكمة حتى لا تحول الديمقراطية إلى استبدادية، مطالبا بمواصلة الاحتجاجات.

في المقابل، يرى المحلل السياسي كيدي مواغا أن الطمع التاريخي لرايلا أودينغا على السلطة ستكون له عواقب وخيمة على كينيا، معتبرا في تصريحات صحفية أن دعوة أنصاره للخروج للتظاهر قد يتسبب في إراقة الدماء مما يُدخل البلاد في مأزق قد لا تستطيع الخروج منه بسهولة، مذكرا إياه بالمظاهرات السابقة التي دعا لها بعد أن خسر انتخابات 2017، والتي أدت إلى مقتل كينيين.