حث الصين على القيام بدور إيجابي في السعي لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، وضمان عدم انحيازها لموسكو ضد المعسكر الغربي، هدفان أساسيان للزيارة التي يقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مصحوبا برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى الصين.
وتعوّل الدول الغربية على زيارة ماكرون إلى الصين باعتباره قادرا على خوض نقاش طويل وعميق مع الرئيس الصيني شي جين بينغ حول الملف المؤرق للغرب وهو الحرب الأوكرانية.
ولتقوية الموقف الفرنسي، اختار الاتحاد الأوروبي إرسال رئيسة المفوضية الأوروبية دلالةً على أن الرئيس الفرنسي يحمل رسالة أوروبا بأكملها، وربما حتى رسائل من واشنطن، التي قالت صحيفة “بوليتكو” (Politico) الأميركية إنها باركت هذه الزيارة.
وستفتح زيارة ماكرون التي ستمتد 3 أيام، الباب أمام زيارات أخرى لزعماء أوروبيين، إذ من المقرر أن يزور كل من رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني ومسؤول السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، بكين في منتصف أبريل/نيسان الجاري.
وهنا تثار العديد من التساؤلات حول سر هذه الهرولة الأوروبية نحو الصين في هذا التوقيت بالذات، وما تملكه أوروبا من أوراق لإقناع بكين بالضغط على روسيا لإيقاف الحرب.
الاقتصاد أولا
تشير معطيات مؤسسة “يوروستات” (Eurostate) للإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبي، إلى أن بكين تحوّلت في العام 2022 إلى أكبر مصدر للبضائع نحو الاتحاد الأوروبي، حيث تستورد أوروبا 20% من حاجياتها من البضائع من الصين، في المقابل فإن الأخيرة هي ثالث زبون للبضائع الأوروبية، وتستقبل الصين 9% من البضائع الأوروبية الموجهة للتصدير.
وتحوّلت العلاقات التجارية إلى ورقة قوية في يد الصين، خصوصا في السنوات الأخيرة، ويبلغ حجم المبادلات التجارية بين بكين والاتحاد الأوروبي 856 مليار دولار، منها 626 مليارا عبارة عن واردات أوروبا من الصين، و230 مليار دولار واردات الصين من أوروبا، ليبلغ حجم العجر التجاري بين الطرفين 395 مليار دولار لصالح بكين.
وتعدّ هولندا أكبر دولة داخل الاتحاد الأوروبي تستورد من الصين، في حين أن ألمانيا هي أكبر مصدر للسلع والبضائع إلى بكين.
وعلى الصعيد العالمي، تعدّ الصين أكبر مصدر عالميا بأكثر من 2844 مليار دولار، وهو ما يشكل 50% من صادرات العالم للسلع والبضائع، كما أنها أيضا هي ثاني أكبر مستورد عالميا خلف الولايات المتحدة، وتستورد بكين ما قيمته 2273 مليار دولار سنويا.
هذه الأرقام ستكون حاضرة في ذهن ماكرون وهو يلتقي نظيره الصيني، فكما أن أوروبا في حاجة إلى بكين، فكذلك على الصين أن تفكر في عدم خسارة أكبر زبون تجاري لديها.
موقف ملغوم
يرى البرفيسور النرويجي كلين دايزين، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “جنوب شرق” النرويجية “يو إس إن” (USN)، أن الموقف الصيني من العلاقة مع روسيا ومع الغرب فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا هو موقف “معقد ومركب”، مضيفا أن الصين تحاول أن تجترح لنفسها موقفا يجعلها تتعامل مع الملف برمته بوصفها قوة عالمية.
وأكد دايزين في حديث للجزيرة نت أن الصين حتى الآن لا تدعم روسيا في حربها بأوكرانيا، لكنها في المقابل تدعم موسكو في صراعها مع حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) لأنها تراه صراع نفوذ مع الغرب.
وتابع أنه “من غير الواضح ما هو الدور الذي من الممكن أن تلعبه الصين حاليا خصوصا وأن الأوروبيين وحتى الآن لا يريدون دفع روسيا إلى المفاوضات لكنهم يريدون دفعها إلى الهزيمة والانسحاب”.
ويشدد البروفيسور النرويجي على القوة الاقتصادية للصين، منبها في الوقت ذاته إلى أن الاقتصاد الأوروبي يمر بأزمة عميقة بسبب سياسة الابتعاد عن مصادر الطاقة الروسية، “ولدينا الولايات المتحدة التي تضغط على الأوروبيين لتقليص اعتمادهم على السوق الصينية، لكن هذا لو حدث فإنه سيؤدي إلى تدمير الاقتصاد الأوروبي”.
وعن توقعاته للنقاط التي سوف يثيرها الرئيس الفرنسي مع نظيره الصيني، يرى دايزين أن “الأوروبيين يحتاجون للصين للقيام بدور الوساطة في الحرب الأوكرانية خصوصا بعد نجاح بكين في الوساطة بين السعودية وإيران”.
لكن دايزين يشير في الوقت ذاته إلى تضارب في الآراء بين الأوروبيين والصينيين، “لأن الأوروبيين يريدون من الصين إقناع روسيا بالاستسلام، في حين لا تريد بكين أن تنهزم روسيا أمام دول حلف الناتو”.
الحل في بكين وواشنطن
ومن جانبه، يتوقع الخبير البريطاني في العلاقات الدولية كريس داويل أن مسار إقناع بكين بالضغط على روسيا من أجل التفاوض لإيقاف الحرب في أوكرانيا “سيكون مسارا طويلا خصوصا وأن كلا الطرفين لا يريد حاليا إيقاف الحرب، وكل طرف يسعى لهزيمة الطرف الآخر”.
وأكد داويل، في حديث للجزيرة نت، أن هناك جهتين فقط قادرتان على إيقاف الحرب وهما الصين والولايات المتحدة، لكن لكل طرف حساباته، فأميركا لا تريد لروسيا أن تخرج منتصرة من الحرب، كما أن الصين لا تريد لروسيا أن تخرج منهزمة من هذه الحرب، ولهذا سيكون على بكين وواشنطن الوصول لنقطة مشتركة بينهما في الوسط.
وهنا يكمن، وفقا لداويل، دور الأوروبيين في إقناع الصين بالضغط على روسيا للتفاوض وضمان عدم انحياز بكين إلى موسكو، وكذلك نقل رسائل طمأنة من الأميركيين.
وتبقى الورقة التي بيد الأوروبيين لإقناع الصين هي الورقة الاقتصادية، ذلك بأن الصين وإن كانت تنظر إلى روسيا بوصفها حليفا، فإنها تعلم أنها حليف يفقد قوته ويضعف تدريجيا مقابل حليف اقتصادي مهم وهو الاتحاد الأوروبي، ولهذا سيكون على بكين الموازنة بين مصالحها الإستراتيجية والحيوية لاتخاذ موقف لا يعادي الغرب تماما فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية.