سباق الدراما السودانية في الموسم الرمضاني، زاخر بكم كبير من الأعمال الدرامية هذا العام على غير المعتاد بالأعوام السابقة، كما أن هناك اجتهاداً واضحاً فرضته ظروف التنافس المحتدم بين القنوات الفضائية في السودان لجذب المشاهدين والمعلنين معاً.
إلا أن “بيت القصيد” يتمثل في أن الدراما السودانية بالماراثون الرمضاني، باتت أكثر جرأة، بكسر (التابوهات) المصطعنة، ومناقشة سيناريوهات شائكة ومُثيرة بطريقة تشبه “وضع الملح على الجرح”. لكن آخرين لديهم رؤية صادمة ومُغايرة تماماً بأنها لازالت دراما غير حقيقية، وتفتقر بوضوح للأدوات الكتابية والفنية والإخراجية.
سباق محموم
بعيداً عن وجهات النظر المتقاطعة تلك، يبدو أن هذا السباق الدرامي المحموم قد ضرب بعرض الحائط تضاعيف الأزمة الاقتصادية الطاحنة، كما يبدو متجاوزاً لظروف شظف العيش وقسوة الحياة المتوحشة التي يعيشها السودانيون حالياً.
ويتمظهر هذا جلياً في بعض الأعمال الدرامية ذات الإنتاج المرتفع، فعلى سبيل المثال، هناك مسلسل جرى تصوير أحداثه في عدة مناطق بالسودان والهند ومصر وليبيا.
الحريات والملفات المسكوت عنها
الكاتب الصحافي محمد عبد الماجد قال لـ”العربية.نت” تعليقاً على مجريات السباق الدرامي في الموسم الرمضاني الحالي في السودان: “المتابع للدراما السودانية يجد أن هناك عدداً مهولاً من المسلسلات السودانية يصل إلى 18 مسلسلاً، وهذا عدد كبير لم يحدث من قبل رغم تكلفة الإنتاج العالية. ونلاحظ أيضاً أن معظم الأعمال إنتاج خاص، وهذا يُوضِّح اتجاه تلك الأعمال لمناقشة ملفات شائكة ومُثيرة كانت تُصنّف في السابق بخانة المسكوت عنه، وفي تقديري أن الأعمال الدرامية سلكت ذلك الاتجاه سعياً لكسب معدلات مشاهدة عالية، ولضمان تغطية تكاليف الإنتاج العالية”.
وهناك عوامل مهمة أيضاً لم تكن متوفرة للأعمال الدرامية سابقاً – كما يقول محمد – وعلى رأسها عامل الحريات المتوفر لهذه الأعمال، حيث شهد فضاء الحرية اتساعاً لا تخطئه الأعين لشتى ضروب الفن والإبداع بالسودان بعد الإطاحة بنظام البشير. وأخيراً هناك ملاحظة تتمثل في الأعمال الدرامية تُعبِّر عن فئة الشباب والجيل الجديد.
وجهة نظر مغايرة
في المقابل، الصحافي المختص بالنقد الفني، هيثم الطيب لديه وجهة نظر حادة ومغايرة تماماً، فقال لـ”العربية.نت”: “الدراما المذكورة لم تنجح في مناقشة الموضوعات الإنسانية المقلقة لنا كسودانيين، كالقضايا التي تهزم التماسك الاجتماعي والمجتمعي. كذلك لم تذهب نحوها ولم تفتح باب التساؤلات حولها”.
ويمضي هيثم ليقول بتشريح تلك الأعمال لـ”العربية.نت”: “تلك الأعمال لا تزال في اعتقادي مُجرّد محاولات تناقش قضايا فرعية أو صغيرة متحركة بيننا، والسبب أننا نفتقد الكتابة المهنية للدراما الخاصّة بنا، ضف إلى ذلك ضعف القيمة المعرفية برؤية كيف تكون الكتابة نفسها، وهل هناك قناعة حقيقية بقيمة الدراما نفسها كأداة راسخة في حركة تغيير مجتمعي كاملة كان مفترضاً أن تحدث بعد ثورة عظيمة؟”.
انهزام داخلي ونقص معرفي
ولا يتوقّف هيثم الطيب عن إرسال شواظ اللهب تجاه تلك الأعمال قائلاً إنها حالة انهزام داخلي ونقص معرفي ومهني كحركة درامية، ولذلك عندما تخرج تكون بلا حياة حقيقية فيها، موضوعاتها نفسها غير حقيقية وربما هامشية وإن ناقشت موضوعاً لا تفهمنا الإخفاق كاملاً، إنما تناقشه بلا وعي وبلا وضع لقيمة الدراما في معالجة راسخة له، لتخرج بخاتمة المطاف كدراما فقيرة في أدواتها الكتابية والإخراجية والفنية.
ولأنها ضعيفة منهج – كما يقول – فالذي يأتي منها دائماً يكون في جانب اللاموضوعية بالنسبة لنا كمجتمع، بالإضافة إلى أنها لا تريد الاقتراب من ملفات حقيقيّة ومطلوبة في بلد حدثت فيها ثورة ضد حكم مُستبد، ويفترض أنها كدراما تقود جُزءاً من التغيير بالتعبير الدرامي كحلم فيها.
غزارة بالإنتاج وسوء بالتناول
لكن رغم إنتاجها الغزير هذا العام، فهي بعيدة- كما يقول هيثم – عن المفترض أن يكون فيها ويناقش داخلها، مثلاً ملفات مجتمعية تمارس اختراقا واحتراقا للبلد والشعب، كقضية (كيف نهزم الإحباط والانهزامية في شعب قام بثورة ويفترض مواصلة فعلها التغييري) على سبيل المثال.
هنا يتبدى ملامح ضعفها عن الأحلام العظيمة كأداة فيها كل القيمة التعبيرية التي تصنع التغيير، فهي التي تخاطب وتناقش المجتمع كله، لكنها الآن في حالة ضعف وسكون من المطلوب منها القيام به، وهي في دائرة قليلة التأثيرات على المجتمعات السودانية.