بغداد– يعاني العراق من أزمة مياه حادة بسبب نقص الإطلاقات المائية من دولتي المنبع؛ تركيا وإيران، الأمر الذي أدى لجفاف الأنهار والأهوار وانخفاض مناسيبها، فضلا عن تسبب ذلك بهجرة الفلاحين من الريف نحو المدينة ونفوق آلاف الحيوانات ومنها الأسماك والجاموس.
ويمتلك العراق نهرين من أطول أنهار العالم؛ دجلة والفرات، إضافة للروافد الفرعية والبحيرات المائية الثماني التي تعرضت لانخفاض قياسي في مناسيب مياهها، بما دق ناقوس الخطر من إمكانية جفافها بالكامل، لا سيما بعد جفاف نحو 90% من ثاني أكبر بحيرة بالبلاد “الرزازة” التي تمتد على مساحة 1800 كيلومتر وتقع بين محافظتي الأنبار (غربا) وكربلاء (جنوبا).
وتطرح العديد من الأسئلة عن أزمة المياه والحاجة السنوية للبلاد، فضلا عن أسئلة أخرى تتعلق بانعكاسات انضمام العراق لاتفاقية الأمم المتحدة للمياه أو التي تعرف باتفاقية “هلسنكي” ومدى تأثيرها وإلزاميتها.
كم تبلغ حاجة العراق السنوية من المياه؟
لا توجد أرقام ثابتة عن حاجة العراق السنوية للمياه، لأن تحديدها قائم على عدد السكان، وذلك بحسب وزير الموارد المائية العراقي عون ذياب الذي أضاف للجزيرة نت “الحاجة السنوية للمياه قائمة على عدد السكان في البلاد، وفي المعدل يبلغ عدد سكان البلاد هذا العام نحو 43 مليون نسمة، وبالتالي تصل الحاجة السنوية لنحو 48 مليار متر مكعب من المياه”.
وأضاف الوزير أن الحاجة للمياه ازدادت في العراق في الوقت الذي لا تزال الإيرادات المائية محددة، محذرا من مشكلة بالغة الصعوبة، ولا سيما أن العراق يمر بسنة جافة نتيجة تراجع مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات في دول المنبع، وفق قوله.
ووفقا لمعهد ميديترينيان للدراسات الإقليمية (MIRS)، فإن العراق يفقد القسم الأعظم من مصادر مياهه، ففي عام 1933 كانت إيرادات العراق من مياه نهر الفرات تبلغ 30 مليار متر مكعب، لتتراجع عام 2021 إلى 9.5 مليارات، أما نهر دجلة فقد كانت إيراداته تقدر بـ20.5 مليار متر مكعب، لتتراجع عام 2021 إلى 9.7 مليارات فقط.
متى انضم العراق للاتفاقية؟
وفي ظل هذه الأزمة المائية، أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) عبر الحساب الرسمي في تويتر انضمام العراق -كأول دولة عربية- إلى اتفاقية الأمم المتحدة للمياه، كما يؤكد البرنامج استعداده الدائم لدعم العراق في تنفيذ اتفاقية المياه وتعزيز جهوده في دبلوماسية المياه لتأمين حقوقه المائية.
وكانت اتفاقية الأمم المتحدة للمياه أو ما يعرف بـ”اتفاقية هلسنكي” قد اعتمدت عام 1992، وأصبحت نافذة عام 1996، ووافقت أطراف الاتفاقية عام 2003 على تعديل المعاهدة لتمكّن أي دولة عضو في الأمم المتحدة من الانضمام إلى هذه الاتفاقية التي تهدف لضمان الاستخدام المستدام لموارد المياه العابرة للحدود من خلال تسهيل التعاون وتحسين إدارة الموارد المائية على المستوى الوطني.
العراق: أول دولة عربية تنضم لاتفاقية الأمم المتحدة للمياه!
وهذا الخبر الرائع يدل على جدية العراق في تولي زمام الأمور في حماية نهري دجلة والفرات، والتزام البلاد بالتفاوض والتعاون مع الدول المجاورة. pic.twitter.com/lmS2FemSvd
— UNDP Iraq (@undpiniraq) March 25, 2023
وانضم العراق لهذه الاتفاقية في 24 مارس/آذار الجاري، على هامش مؤتمر المياه في نيويورك، حيث يعد العراق بذلك أول دولة عربية وأول دولة في الشرق الأوسط تنضم إلى هذه الاتفاقية، وبتسلسل 49 على المستوى الدولي.
وكان الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد قد شدد من نيويورك -خلال حضوره المؤتمر- على ضرورة الإسراع وإحراز تقدم في مجال التعاون المائي، مشيرًا إلى أن إدارة موارد المياه بشكل أكثر كفاءة وفعالية -من قبل الدول المتشاطئة- يعد في غاية الأهمية للعراق.
ما أسباب أزمة نقص المياه الحاد في العراق؟
وعن ذلك، يقول الباحث المتخصص في المياه عادل الجبوري إن “ملف الخلافات المائية بين العراق ودول المنبع، ملف شائك ومعقد، وعلى امتداد 4 عقود من الزمن، تداخلت فيه الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية”.
ويحدد الجبوري -في حديثه للجزيرة نت- أسبابا أخرى يعدها رئيسية، وتتمثل ببناء تركيا سدودا جديدة تسببت بتراجع إيرادات العراق المائية، فضلا عن قطع إيران للروافد النهرية الواصلة للبلاد، يضاف لذلك استمرارية الاعتماد على طرق الري القديمة التي تتسبب بهدر كميات كبيرة من المياه، في ظل غياب التخطيط الحكومي الممنهج للحفاظ على الثروة المائية، بحسبه.
هل الاتفاقية ملزمة لدول المنبع؟
وردا على هذا السؤال، يقول المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال: “إن الاتفاقية تضيف قوة معنوية للعراق لاستحصال الضغط الدولي على دول المنبع لزيادة الإطلاقات المائية”، مشيرا في حديثه للجزيرة نت إلى أن العراق وبموجب الاتفاقية لا يستطيع إلزام دول المنبع لزيادة الإطلاقات المائية كونه لم يوقع اتفاقيات مسبقة مع تلك الدول، بحسب تأكيده.
من جانبه، يحدد الخبير الإستراتيجي في السياسات المائية رمضان حمزة الفوائد التي يمكن تحقيقها من خلال هذه الاتفاقية والتي تساعد في حل أزمة المياه، وذلك عبر تحديث البنى التحتية المائية ومنظومات الزراعة والري ومنع التلوث الذي يعاني منه العراق.
وخلال حديثه للجزيرة نت، تابع حمزة أن من جملة الفوائد تشكيل ضغط دولي على دول المنبع لزيادة الإطلاقات المائية نحو العراق، إضافة إلى إتاحة الاتفاقية الفرصة لمشاركة العراق في الخطط الدولية لمعالجة أزمة المياه والاستفادة من التجارب الدولية، والانفتاح على 48 دولة، أعضاء اتفاقية هلسنكي للمياه.
ما الإجراءات الحكومية؟
وعن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة العراقية الجديدة تجاه ملف المياه، أضاف المتحدث باسم وزارة الموارد المائية أن الحكومة الحالية جعلت ملف المياه سياديا، من خلال إضفاء الصبغة الدولية عليه عبر الانضمام للاتفاقيات الدولية الخاصة بالمياه، من أجل تعضيد موقف العراق التفاوضي مع دول المنبع.
ويختتم المسؤول الحكومي حديثه للجزيرة نت بالتأكيد على أن هذا الإجراء سيحول البلاد من طرف خاسر في المعادلة المائية إلى طرف ناجح، ويضيف موقفا متحكما مع دول الجوار المائية، يؤدي إلى التقاسم العادل للثروة المائية، وفق تعبيره.