جنين- ساعات عصيبة مرت بها عائلة مجد أبو العزمي، وذلك حين أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية اسمه ضمن شهداء مخيم جنين، قبل أن تحذفه وتستبدل به الاسم الصحيح، والذي خرج أبو العزمي بنفسه ليشيعه اليوم الأربعاء وهو يسأل نفسه “ماذا لو كنت أنا الشهيد حقا؟”.
جنازة الشهيد البديل لم تكن الوحيدة التي حضرها أبو العزمي مؤخرا، فقبلها بيوم واحد كان ضمن الحشود التي شيّعت 5 شهداء ارتقوا خلال اقتحام وحدات عسكرية إسرائيلية لمخيم جنين، والتي اغتالت الشهيد عبد الفتاح خروشة الذي تتهمه بتنفيذ عملية إطلاق النار على مستوطنين في حوارة قبل 10 أيام.
وشهداء جنين هم: زياد الزرعيني، معتصم الصباغ، محمد خلوف، طارق الناطور، بالإضافة إلى محمد الغزاوي.
واستشهد 6 فلسطينيين وأصيب آخرون عندما اقتحمت قوات عسكرية إسرائيلية كبيرة قدرت بنحو 40 آلية عسكرية مدعومة بقوات خاصة قد تسلل جنودها إلى مخيم جنين بزي مدني، وحاصروا منازل في شارع مهيوب شرقي المخيم، وقصفت هذه القوة أحد المنازل بصواريخ، بينما كانت مروحيات ومسيّرات تشارك في عملية الهجوم.
أمام بوابة مستشفى جنين الحكومي، كانت أعداد الناس تزداد كلما اقتربت عقارب الساعة من 10:30 صباحا موعد انطلاق مسيرة التشييع، وبجانب بوابة ثلاجة الموتى وقف أقرباء الشهداء ينتظرون لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة.
وفور إخراج جثامين الشهداء الخمسة من ثلاجة الموتى، حمل مئات من الفلسطينيين جثامين الشهداء لمدة ساعة ونصف الساعة، جابوا خلالها شوارع مدينة جنين ومخيمها، قبل الوصول إلى المقبرة. وشارك عدد كبير من المقاتلين من مختلف الفصائل الفلسطينية في مسيرة التشييع، وأطلقت العيارات النارية بكثافة، كما كان لافتا حضور الأطفال، وردد المشاركون هتافات، مثل: “الله أكبر ولله الحمد.. في سبيل الله قمنا”.
المقاومة تترسخ
يقول (ح . س)، 23 عاما وهو مقاتل في كتيبة جنين، إن قوات الاحتلال نفذت الاقتحام في وقت مباغت خلال ساعات الظهر، حيث كان المقاومون يأخذون وقتا للاستراحة، بعد سهرهم طوال الليل لمراقبة المخيم وحمايته.
وأضاف أنه على مدار أسبوعين لم يفارق الطيران الحربي الإسرائيلي سماء المخيم، لذلك كان المقاومون يرابطون 24 ساعة على مدار أسبوعين، موضحا أن رجال المقاومة اشتبكوا مع قوات الاحتلال فور كشف القوات الخاصة في أزقة وحواري المخيم، وأن جيش الاحتلال استعان بالطيران والقذائف الصاروخية.
وأكد أن المقاومة تزيد بزيادة عمليات الاقتحام والقتل، ومع كل شهيد جديد تترسخ فكرة المقاومة وتتسع وتزداد شراسة المقاومين وإصرارهم، إضافة لتطورهم في أساليب القتال وأشكاله.
وعمّ الإضراب الشامل كافة مناحي الحياة في محافظة جنين ومخيمها حدادا على شهداء الأمس، وأغلقت المحلات التجارية وخلت الشوارع من المارّة بعد الانتهاء من تشييع الشهداء، فيما فتح بيت للعزاء في نادي مخيم جنين.
وفي محافظات الضفة الغربية، عمّ الإضراب الشامل حدادا على الشهداء، فيما توعدت الفصائل الفلسطينية بالرد على جريمة الاحتلال.
تكاتف في كل جنين
استمر رجال المقاومة في التصدي لهجوم قوات الاحتلال لأكثر من ساعتين ونصف الساعة، ويوضح (ح . س) أن الشهيد معتصم الضباع أحد مقاتلي المخيم اشتبك مع القوة الخاصة، وحين نفدت ذخيرته سحب مسدسه محلي الصنع وهجم ضد عربة عسكرية إسرائيلية واشتبك معهم من مسافة صفر، فأصاب اثنين من الجنود اعترفت إسرائيل بإصابتهما، قبل أن تصله رصاصات قناص إسرائيلي ويستشهد.
يقول الفتى قيس أشرف سيكلي (15 عاما) إن 6 بيوت عزاء تفتح اليوم “هذا شيء ثقيل على أرواحنا”، مضيفا “يوم أمس لن يمحى من ذاكرتنا. القنابل والصواريخ كانت في كل مكان في المخيم، هذه مجزرة “.
ويوضح المقاتل في كتيبة جنين (ص . د) أن “المحافظة كلها هبت لنجدة أهل المخيم، الناس العاديون كانوا أكثر من المسلحين، ومقاتلو الكتيبة اشتبكوا حتى آخر لحظة”، مضيفا أن “آخر مرة رأيت الشهيد زياد الزرعيني قال لي إن من يصبر على ما يحدث في جنين ونابلس هو عديم النخوة”.
بدوره، يقول (ص . د) إن من بين الشهداء محمد الغزاوي الذي كان بيته مفتوحا دائما للمقاومين، وكان ينادي بالوحدة بين كل الفصائل في المخيم، ولم ينضم لأي فصيل.
التحام المقاومة في المخيم
وتكررت عملية اختباء المقاومين والمطاردين الفلسطينيين في مخيم جنين أكثر من مرة، مثلما اختبأ الشهيدان محمد ونور غنيم -من بلدة برقين- في المخيم، قبل اغتيالهما في يناير/كانون الثاني الماضي، وأحدثهم اختباء عبد الفتاح خروشة -من مخيم عسكر- في بيت إياد أبو العزمي، قبل تمكن القوات الخاصة من اغتياله.
ويرى مقاتلو كتيبة جنين أن المخيم هو حاضنة للمقاومين، وهو مفتوح لهم دائما كما يقول (ح . س)، مضيفا أن “أي شخص يقوم بعمل مقاوم نقدم له روحنا، وندافع عنه بكل ما نملك، وهذا الشيء معروف عن مخيم جنين وليس جديدا عليه”.
ويتابع أن “الفُرقة دمرت شعبنا، وشباب المخيم يفهمون ذلك، لذا تجد الكل يقاتل بنفس واحد، نحن ننام في بيت واحد نأكل من طبق واحد، وفي رمضان مثلا يمكن للكل أن يرى مدى التلاحم بيننا على مختلف فصائلنا وانتماءاتنا”.
من مدينة نابلس جاء محمود درويش -29 عاما- للمشاركة في تشييع زميله الشهيد زياد الزرعيني. ويعتقد درويش أن حالة الالتحام الموجودة في المخيم تختلف عن بقية مدن وبلدات الضفة الغربية، ويرى أن المقاتلين في المخيم يعملون بيد واحدة لهدف معروف ووجهة واحدة وهي مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والتحرر.
ويقول درويش إنه كان يعمل مع الشهيد زياد في جهاز الضابطة الجمركية، مضيفا “لم نكن نعلم أنه يقاوم في مخيم جنين، زياد كان سباقا للخير ومحبا للناس ومتعاونا مع زملائه في العمل، لكن كلنا كنا نلحظ حبه للمقاومة والمقاومين”.