منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية بلبنان في أكتوبر 2019، وحتى اليوم اسم وحيد يتصدر ألسنة اللبنانيين وغضبهم أيضا، إنه رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان.
فكثيرة هي الاتهامات التي تلقى على عاتقه، وكثيرة الدعوات والشتائم التي يكيلها بعض اللبنانيين للرجل وللمصارف أجمع على السواء، سواء أصابوا أم لا.
فبعدما كان على مدى سنوات عرّاب استقرار الليرة وانتعاش الاقتصاد ما بعد الحرب الأهلية، بات سلامة اليوم محور تحقيقات قضائية في لبنان والخارج، وتحوم حوله شبهات بتهم مالية عدّة.
فقد بدأ محققون أوروبيون، الخميس، الاستماع إليه في بيروت بإشراف قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، في إطار تحقيقات حول مصدر ثروته وشبهات غسل أموال في لبنان وتحويلها إلى حسابات في الخارج.
فمن هو سلامة؟
يعتبر الرجل البالغ من العمر 72 عاماً، أحد أطول حكام المصارف المركزية عهداً في العالم أجمع، إذ يشغل منصبه منذ العام 1993.
كما كان مهندس السياسات المالية في مرحلة تعافي الاقتصاد ما بعد الحرب الأهلية (1975-1990).
إلا أنه مع بدء ظهور ملامح الانهيار الاقتصادي وانطلاق تظاهرات شعبية غير مسبوقة في تشرين الأول/أكتوبر 2019 ضد الطبقة السياسية المتهمة بالفساد وبتغليب منطق الصفقات في إدارة البلاد، اتهم محللون ومراقبون زعماء سياسيين ومسؤولين بينهم سلامة، بتحويل مبالغ ضخمة من حساباتهم إلى الخارج.
تراجع قياسي لقيمة الليرة اللبنانية
قرعت له بورصة نيويورك!
فمنذ قرابة عامين، تشكّل ثروة سلامة محور تحقيقات في لبنان وأوروبا.
في حين يصر الرجل الذي نال جوائز إقليمية ودولية وأوسمة شرف تقديراً لجهوده في منصبه، وكان أول حاكم مصرف مركزي عربي يقرع له جرس افتتاح بورصة نيويورك، على أنه جمع ثروته من عمله السابق طيلة عقدين في مؤسسة “ميريل لينش” المالية العالمية، ومن استثمارات في مجالات عدة بمعزل عن عمله على رأس حاكمية مصرف لبنان.
ومنذ تعيينه بمنصبه، تم التجديد لسلامة أربع مرات، وتراكمت الجوائز والتقديرات التي حظي بها. فنال جائزة أفضل حاكم مصرف مركزي في العالم من مجلة “يورو موني” عام 2006 ثم من مجلة “بانكر” عام 2009 وحاز أوسمة شرف فرنسية.
احتجاجات في لبنان ضد سياسة حاكم البنك المركزي رياض سلامة (أرشيفية- فرانس برس)
“هروب إلى الأمام”
من جهته، رأى اقتصادي مخضرم وخبير في الأسواق المالية، تحفظ عن ذكر اسمه، أن “سلامة كان تاجراً ووسيطاً طيلة حياته، وهذه هي المشكلة”.
كما أضاف “هناك حاجة إلى شخصية اقتصادية لإدارة مصرف مركزي، لا إلى شخص مقرّب من النظام المصرفي ويودّ حمايته”، بحسب ما نقلت فرانس برس.
في حين اعتبر الخبير الاقتصادي نيكولا شيخاني أن سلامة “عرف كيف ينعش الاقتصاد ويكسب ثقة المستثمرين”.
لكن مع اندلاع الحرب في سوريا المجاورة بدءاً من العام 2011، “بدأت تتراكم الإشارات الحمراء”، وفق شيخاني، وتأثر الاقتصاد اللبناني سلباً بينما كانت الديون الرسمية تتراكم.
شعارات مناهضة لسياسة رياض سلامة النقدية في لبنان (أرشيفية- فرانس برس)
ورغم إحجام الحكومات المتعاقبة عن إعادة هيكلة الاقتصاد وإجراء إصلاحات ملحة، واصل سلامة تمويل الدولة بغطاء سياسي، متبعاً، وفق شيخاني، سياسة “الهروب إلى الأمام”.
الليرة بخير”!
كما راح حاكم مصرف لبنان يطمئن الناس إلى أن “الليرة اللبنانية بخير”.
ولا ينسى اللبنانيون أجمع تأكيد سلامة الذي غالبا ما يتكلّم بصوت منخفض ومن دون أي انفعالات، ولا يبتسم إلا نادراً، في مقابلة تلفزيونية مع بدء الأزمة أن “الليرة بألف خير”.
فقد أصرّ في الأشهر الأولى على أن “الليرة بخير” لكن اليوم وبعد أكثر من ثلاث سنوات على انهيار صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، فقدت العملة المحلية أكثر من 98 في المئة من قيمتها أمام الدولار.
لكن كل ذلك، لم يهزه، فقد بقي سلامة في منصبه، مستفيداً من حماية سياسية توفّرها له قوى رئيسية في البلاد، رغم كل الانتقادات التي طالت أداءه، وشبهات الاختلاس وغسل الأموال والإثراء غير المشروع التي تلاحقه في لبنان والخارج.
أما السبب، بحسب شيخاني الخبير في الأسواق المالية فيعود إلى أنه يطمح للوصول الى رئاسة الجمهورية، ما برّر “عدم رفضه لأي طلب من الطبقة السياسية”، وكذلك “حمايته للمصارف التي يُعد السياسيون من مساهميها الرئيسيين”.
يشار إلى أن ولاية سلامة تنتهي في يوليو المقبل، ومع قرب هذا التاريخ، أكد مصدر دبلوماسي غربي أن الدول الغربية حذّرت السلطات اللبنانية من مغبة التمديد له.