مراسلو الجزيرة نت
كييف- مرت 8 أشهر على بدء معارك مدينة باخموت في منطقة دونيتسك جنوب شرقي أوكرانيا، لم تستطع خلالها القوات الروسية ووحدات مجموعة “فاغنر” الروسية السيطرة عليها، رغم تكرار الإعلان عن تلك السيطرة وتحقيق انتصارات هناك.
وحتى الأمس القريب، كان الموقف الأوكراني ثابتا في ما يتعلق بالدفاع عن المدينة، التي أصبحت عنوانا محليا عريضا للصمود والتصدي وكثير من الأشعار والأغاني، بوصفها أفضل موقع لتحقيق أكبر الخسائر في صفوف الروس، وأهم حاجز يصدهم عن التقدم في عمق منطقة دونيتسك، ويمنح كييف فرصة الإعداد لهجوم مضاد واسع النطاق.
لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ألمح في الخامس من أبريل/نيسان الجاري إلى إمكانية الانسحاب من باخموت، مشيرا إلى أن “هدف الحفاظ على حياة القوات العاملة أهم من هدف التمسك بالمدينة”.
فهل نشهد انسحابا أوكرانيا قريبا من باخموت؟ وكيف ستكون دلالات ذلك على سير المعارك في جبهات منطقة دونيتسك وغيرها؟ أم أن الانسحاب سيكون فخا للروس استعداد للعلمية المضادة التي تستعد لها أوكرانيا منذ شهور؟
انسحاب أم نصر؟
وبين الالتزام بالمبادئ والإقرار بالواقع، يرى مراقبون أن خيار الانسحاب أو التراجع بات مطروحا في الأروقة الأوكرانية، حتى وإن نفاه بعض المسؤولين.
في حديثه للجزيرة نت، يقول المحلل العسكري يوري فيدوروف إنه “بعد أن بدأ الجيش الأوكراني إجراء دفاع وعمليات مضادة منظمة أواسط العام الماضي، تلتزم القيادة العسكرية الأوكرانية بمبدأ عدم التراجع، لكن الانسحاب مطروح فقط في الحالات القصوى، عندما يكون هناك بالفعل تهديد مباشر بالتطويق”.
وتابع موضحا “رأينا ذلك صيفا في سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك بمنطقة لوغانسك. الحرب، أولا وقبل كل شيء، شأن سياسي، ثم قضية عسكرية. لذلك، حتى لو تقرر الصمود حتى النهاية، فإن خطة التراجع موجودة بالفعل، وإذا لزم الأمر، سيتم تنفيذها”.
ويقلل الخبير فيدوروف من شأن التراجع الأوكراني -إن حدث- معتبرا أنه سيكون نصرا سياسيا لروسيا، أكبر من كونه نصرا عسكريا.
ويوضح رأيه بالقول إنه “من ناحية عسكرية، بعض المواقع في دونيتسك ولوغانسك كان من المفترض أن تكون أهم بالنسبة للروس من باخموت، ولكن الأخيرة أصبحت عقدة لهم، والرئيس بوتين أمر بفكها رغم حجم الخسائر التي لحقت بقواته”.
وأضاف أن “باخموت فخ للروس. سقوطها سيكون رمزيا أكثر، ولن يفتح بوابة جهنم -كما يعتقد- على باقي مدن منطقة دونيتسك. الروس منهكون، ولا يملكون قدرا كافيا من القوات المدربة والمعدات لهذا الغرض بسهولة”.
الانسحاب استعدادا للهجوم
في سياق متصل، يرى الخبير العسكري في المعهد الأوكراني للمستقبل إيفان ستوباك أن “ثمة ارتباطا موضوعيا بين احتمال سقوط باخموت وبدء العمليات المضادة التي تستعد لها أوكرانيا منذ شهور”.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف ستوباك أن “الدفاع الأوكراني عن باخموت ارتبط بالتحضير لتلك العمليات، والتراجع فيها قد يعني أن الاستعداد قد تم أو شارف على التمام، ومن ثم قد يكون بداية لصالح أوكرانيا وليس العكس”.
لكنه لفت إلى أن “قرار البدء بعمليات التحرير محصور في رؤوس 5 أشخاص فقط (أعضاء ما يسمى مجلس القائد الأعلى، الذي يضم الرئيس ووزير الدفاع وأمين مجلس الأمن القومي والدفاع ورئيس الأركان ووزير الداخلية)؛ ولكن كل المؤشرات تدل على أنها باتت قريبة، ومنها النجاح في باخموت، أو التراجع عنها”، وفق تعبيره.
حقيقة الوضع الميداني
يأتي ذلك في الوقت الذي يرى فيه مراقبون أن الوضع في باخموت الآن أسوأ بكثير مما كان عليه قبل أسابيع.
في حديث لمجلة “فوربس” (Forbes) الأوكرانية، يوضح الخبير الأميركي في معهد أبحاث السياسة الخارجية روب لين “لقد تغيرت الظروف وأهمية المدينة ونسبة الخسائر مقارنة بما كانت عليه قبل شهر أو شهرين. روسيا كانت في باخموت تعاني خسائر دراماتيكية فادحة خلال نهاية العام الماضي”.
وتابع لين “تدهورت نسبة الضحايا الآن بالنسبة للجيش الأوكراني. كانت النسبة واحد إلى 5، أو واحد إلى 7، وهي -ربما- النسبة التي كانت عليها الحال طوال فترة الغزو، ولكن الآن الميزة لصالح الأوكرانيين ليست كبيرة”.
وأضاف أنه “في الآونة الأخيرة، فقد الأوكرانيون السيطرة على أجنحة المدينة الشرقية والشمالية، واقتربت القوات الروسية من طرق الإمداد. باخموت مدينة محصنة يسهل الدفاع عنها بفضل المصانع والمباني القوية، ومع ذلك، إذا منعت القوات الروسية سلاسل التوريد، فسيكون من الصعب للغاية الاحتفاظ بها”.