السليمانية– بعد مخاضٍ عسير استمر لسنوات، أنهى مجلس النواب العراقي القراءة الأولى لمشروع قانون يخص مدينة حلبجة لتكون المحافظة رقم 19 في البلاد، والرابعة في إقليم كردستان إلى جانب محافظات أربيل والسليمانية ودهوك.
ورغم أن مشروع تحويل المدينة إلى محافظة لا يزال بحاجة لإجماع برلماني وتصويت قد يستغرق وقتا، إلا أنه وفي حال تم ذلك فإن المحافظة الجديدة ستشهد تصاعدا للمنافسة السياسية والاقتصادية والانتخابية نظرا للامتيازات التي ستحصل عليها مُستقبلاً على مستوى الإدارة والأمن والسلطات التنفيذية والموازنات المالية بحسب مراقبين.
وتتبع حلبجة الكردية محافظة السليمانية الوقت الحالي، وتقع في أقصى شرقها، وتبعد عن العاصمة بغداد زهاء 240 كيلومترا إلى الشمال الشرقي، ولا يفصل بينها والحدود الإيرانية سوى حوالي 14 كيلومترا فقط، وتقع هذه المدينة عند سفح منطقة هورامان الجبلية التي تمتد على الحدود الإيرانية العراقية، ويتكلم معظم أكراد المدينة الكردية باللهجة السورانية.
واشتهرت حلبجة بفاجعة تعرّضها لقصف بالأسلحة الكيمياوية الأشهر الأخيرة من الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) حيث أسفر عن مقتل أكثر من 5 آلاف شخص من أهالي المدينة، أغلبهم من الشيوخ والنساء والأطفال، وإصابة 7-10 آلاف آخرين، كما توفي آلاف المدنيين من حلبجة العام التالي للقصف، وذلك نتيجة المضاعفات الصحية والأمراض والتشوهات الخلقية.
قرار جديد قديم
وكان مجلس الوزراء قد قرر في 13 مارس/آذار الماضي الموافقة على مشروع قانون استحداث محافظة حلبجة، وذلك بعد انفراجة في العلاقة السياسية بين بغداد وأربيل.
وسبق قرار مجلس الوزراء قرار حكومة كردستان في يونيو/حزيران 2013، ومن بعدها تصويت برلمان الإقليم في فبراير/شباط 2015 على تحويل حلبجة رسميا إلى محافظة ضمن الإقليم، حيث أُلحقت بها أقضية حلبجة وشاربازير وبينجوين وسيد صادق، بعد أن كانت جميعها مرتبطة إداريا بمحافظة السليمانية (شمالا).
وأثارت القراءة البرلمانية الأولى، في 2 أبريل/نيسان الجاري لتحويل حلبجة إلى محافظة، حفيظة ممثلي الكثير من الكتل والأحزاب السياسية عبر مطالبتهم بتحويل بعض الأقضية لمحافظات مستقلة، مثل قضاء تلعفر -أكبر أقضية البلاد- في محافظة نينوى (شمالا) وقضاء طوزخورماتو في محافظة صلاح الدين (شمالا) وقضاء الفاو في محافظة البصرة (جنوبا) وغيرها.
وتأتي هذه التطورات في وقت يشهد العراق زيادة سكانية ملحوظة، حيث تؤكد إحصائيات وزارة التخطيط أن عدد السكان تجاوز 42 مليون نسمة، وهو ما قد يعكس حاجة فعلية لاستحداث محافظات جديدة، وفق مراقبين.
وكان النائب التركماني بالبرلمان غريب عسكر قد قدم -بحسب وثيقة رسمية- طلبًا نيابيًا مذيلا بتواقيع أكثر من 30 نائبا تضمن مخاطبة رئيس المجلس برفع الفقرة الثانية من جدول أعمال الجلسة رقم 17 في 2 أبريل/نيسان الماضي، وتعديلها لإضافة فقرة تقضي بتحويل قضائي طوزخورماتو وتلعفر لمحافظتين مستقلتين.
أزمات بغداد وأربيل
ولم يغب تأثير الأزمات السياسية بين بغداد وأربيل على حسم قرار تحويل حلبجة إلى محافظة، وذلك وفقا لنائب محافظها كاوة علي كريم الذي يُشير إلى أن المدينة ستشمل بكافة التخصيصات المالية، بما يعني أنها ستكون في وضعها كبقية المحافظات فيما لو تم التصويت النهائي في بغداد على تحويلها إلى محافظة.
ورغم أن حكومة كردستان تعد حلبجة محافظة بحد ذاتها، إلا أن مصادقة الحكومة الاتحادية على ذلك سيعني تخصيص نسبة مئوية للمحافظة من الموازنة العامة على غرار بقية المحافظات الأخرى، وهو ما قد يعني مبدئيا أن النسبة المخصصة لإقليم كردستان من الموازنة ستكون أكبر من المقررة سابقا، بحسب كريم.
كما يؤكد كريم أن حلبجة ستحظى بحصة مستقلة من الأدوية والمشتقات النفطية التي ترسلها الحكومة الاتحادية لمحافظات الإقليم، فضلاً عن المشاريع الاستثمارية المتنوعة في مختلف المجالات، مبينًا أن عدد سكان حلبجة يبلغ حاليا أكثر من 135 ألف نسمة، وستنضم إليها بعد تحويلها إلى محافظة 4 نواح إدارية هي سيروان وخورمال وبياره وبه مو.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعدد كريم المزايا التي ستحظى بها حلبجة كمحافظة، ومنها أن قرار الاستحداث سيفتح الباب لوجود عدد من الدوائر الحكومية السيادية التابعة للوزارات الاتحادية مثل الداخلية والتجارة وغيرهما، فضلا عن تخصيص وظائف حكومية لها مما يُسهم في فتح المجال لتعيين الآلاف من أبناء المدينة، مبينا أن النقطة الأبرز ستتمثل بشمول المحافظة بالقانون رقم 35 لسنة 2013 المتضمن شمول المتضررين من نظام الرئيس السابق صدام حسين بامتيازات وتعويضات مادية ومعنوية.
ولا يخفي كريم في ختام حديثه توقعات بأن تشهد حلبجة -بعد تحويلها إلى محافظة رسميا- منافسة سياسية شديدة غير معتادة بالانتخابات المُقبلة، وذلك إثر تخصيص عدد من المقاعد الانتخابية لها والتعامل معها كمحافظة وليس كقضاء.
أبعاد سياسية واقتصادية
وعلى المستوى الاقتصادي، تقع حلبجة في منطقة قريبة من الحدود العراقية الإيرانية، وتعدّ نقطة إستراتيجية للتبادل التجاري بين البلدين عبر امتلاكها عدة منافذ حدودية، منها منفذا “شوشمي- تويله” و”بشته”.
ويقول الخبير الاقتصادي الكردي كاروان حمه صالح إن قرار تحويل حلبجة إلى محافظة جاء كتعويض نفسي ومعنوي نتيجة لما تعرّضت له طيلة العقود الماضية من ظلم وإقصاء وتهميش، وعلى مختلف الجوانب، وطيلة حكم الأنظمة السابقة.
ويكشف -في حديثه للجزيرة نت- عن هجرة نحو 200 عائلة من المدينة سنويا باتجاه المناطق الأخرى بسبب تفشي البطالة وغياب فرص العمل والمشاريع الاستثمارية والصناعية وتراجع المستوى الاقتصادي، في ظل قلة الدعم الحكومي وتراجع الفرص الاستثمارية والزراعية والصناعية.
ويُحذر صالح من أضرار استمرار الهجرة في حلبجة، لا سيما ما ستحدثه من خلل في البيئة الاقتصادية، إضافة إلى التغيير الديموغرافي الذي سيهدد حلبجة والمدن الأخرى، وفق قوله.
من جانبه، لا يخفي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكوفة أسعد كاظم الشبيب أن قرار تحويل حلبجة إلى محافظة يحمل في طياته أبعادا سياسية واقتصادية ستعود بالفائدة على أهالي المدينة ومجمل إقليم كردستان، وفق قوله.
ويضيف “عندما تكون حلبجة محافظة فهذا يعني زيادة حجم التمثيل السياسي لأهالي المدينة داخل حكومة وبرلمان الإقليم، وبالبرلمان والحكومة الاتحادية في بغداد، وسيكون للأهالي تمثيل مستقل بإدارة المحافظة بعيدة عن المحافظة الأم السليمانية”.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى الشبيب أن تحويل حلبجة إلى محافظة سيترجم إلى منافع ومردودات اقتصادية كبيرة، تتمثل بزيادة الإيرادات المالية للمدينة، كما سيصب ذلك في تطوير بنيتها التحتية وإيجاد مشاريع استثمارية جديدة، وتطوير القطاعات الاقتصادية والعمرانية بالمحافظة مما يجعلها متساوية في الحقوق والواجبات مع أي محافظة بإقليم كردستان أو عموم العراق.