جنين– “يتدفق الناس إلينا لتهنئتنا بالإفراج من السجن”، بهذه الكلمات بدأ أحمد ملايشة حديثة عن ابن عمه الشهيد نايف ملايشة (25 عاما) من بلدة جبع في محافظة جنين (شمالي الضفة الغربية) الذي اغتالته قوات الاحتلال مع شابين آخرين داخل سيارة على مدخل بلدة جبع.
وكان نايف ملايشة اعتُقل لعام ونصف العام في سجون الاحتلال، ولم يمض على خروجه من السجن سوى 35 يوما، وانضم بعدها لكتيبة جبع التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، وهو أب لطفل عمره 6 سنوات وطفلة عمرها عام ونصف العام.
وكانت قوة خاصة إسرائيلية اقتحمت بلدة جبع مع ساعات الصباح الأولى اليوم الخميس، وتخفت داخل منزل مهجور على مدخل البلدة، وباغتت الشبان الثلاثة الذين كانوا داخل مركبتهم الخاصة، واشتبك كل من نايف ملايشة وسفيان فاخوري وأحمد فشافشة مع القوة الإسرائيلية، ثم وصلت تعزيزات من جيش الاحتلال إلى مدخل البلدة وحاصرت الشبان داخل سيارتهم، وأطلقوا عليهم وابلا من الرصاص على مسافة قريبة، فاستشهد ثلاثتهم.
والشهداء الثلاثة هم أفراد كتيبة جبع التابعة لسرايا القدس الجناح العسكري للجهاد الإسلامي. وكان الشهيد سفيان فاخوري (26 عاما) أسيرا محررا أمضى في سجون الاحتلال 9 أشهر، وأفرج عنه أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو شقيق الأسير نعمان فاخوري المعتقل إداريا، والشهيد أحمد فشافشة شقيق الأسير عبد الصمد فشافشة الذي لا يزال موقوفا بدون حكم منذ نحو عام.
وتوافد أهالي جبع إلى مكان اغتيال الشبان الثلاثة، وتفقدوا السيارة التي قال شهود عيان إن قوات الاحتلال فجرتها بعد أن اغتالت الشبان داخلها.
وعلى الأرض حول السيارة توجد كميات كبيرة من رصاص جنود الاحتلال، وهو ما يبين أن عملية الاغتيال كانت من مسافة قريبة جدا. وأمام السيارة المستهدفة، قالت إحدى سيدات القرية، التي حضرت لتفقد الحدث “يقتلون كل من يحاول أن يرفع رأسه”.
وفي انتظار وصول الجنازة، وقف أحمد ملايشة مع المعزيين، وأوضح أنه عند السادسة صباحا “استيقظنا على صوت كثيف للرصاص، وبدأت تردنا أخبار بوجود قوات خاصة على أطراف البلدة. ابن عمي نايف وصديقاه سفيان وأحمد اشتبكوا مع القوة الخاصة التي قدمت لاغتيالهم. كمية الرصاص في أجساد الشبان رهيبة”.
داخل منزل الشهيد نايف ملايشة، تجلس أمه وشقيقاته في انتظار وصول جثمانه لإلقاء نظرة الوداع، بينما يمتلئ المنزل بالمعزيات.
وأمام جثمان الشهيد سفيان فاخوري، كانت والدته تبكي وتمسح على وجهه وتقول “الله يرضى عليك يمّا، الله يرحمك”، في حين كان والده عدنان فاخوري يهدئها ويقول “كلهم فداء للوطن، لا يمكن لإسرائيل أن تكسرنا، ولا يمكن لبن غفير أن يذلنا، لا باغتيال شبابنا ولا بقتلنا كلنا، نحن فداء للوطن”.
قوات خاصة
وتتبع إسرائيل منذ عام 2002 سياسة اغتيال المقاومين الفلسطينيين عن طريق قوات خاصة إسرائيلية تتسلل إلى أماكن وجودهم ونصب الكمائن. وتغتالهم إما بالرصاص أو بإطلاق القذائف الصاروخية كما حدث في مخيم جنين الثلاثاء الماضي، حيث هاجمت قوة خاصة عبد الفتاح خروشة داخل منزل تحصن فيه مع آخرين فاغتالتهم.
كما اغتالت قوة عسكرية إسرائيلية شابين فلسطينيين من بلدة جبع (جنوب جنين) قبل شهر بنفس طريقة اغتيال الشهداء الثلاثة لهذا اليوم، حيث لاحقت قوة خاصة إسرائيلية شابين كانا يستقلان سيارتهما على مدخل بلدة جبع وأطلقت عليهما النار، فاستشهد أحدهما على الفور في حين أصيب الآخر وحاول الفرار، إلا أن القوة العسكرية استمرت في ملاحقته حتى تمكنت من قتله عند مفترق شارع قريب من البلدة.
يقول الخبير الحقوقي الفلسطيني ومدير “مؤسسة الحق” شعوان جبارين إن استخدام إسرائيل قوات خاصة متخفية بهدف اغتيال فلسطينيين هو عمل مناف لكل المواثيق والقوانين الدولية، وهو إعدام خارج نطاق القانون، ويضيف أن “قتل الجيش الإسرائيلي أي فلسطيني بطريقة التخفي هي جريمة حرب، وحتى إن كان مطاردا مثلا وحاولت إسرائيل التعامل معه كمحارب، فإن القتل عن طريق التخفي هو بمثابة غدر”.
وقال عباس غنّام (40 عاما) -موظف في بلدية جبع- إن قوة عسكرية إسرائيلية أخرى كانت تحاصر منزلين في بلدة جبع خلال تنفيذ القوات الخاصة لعملية اغتيال نايف وسفيان وأحمد، ويعود المنزلان للأسيرين المحررين بهاء سلاطنة وعزيز خليلية، اللذين قامت باعتقالهما.
تشييع من أمام مستشفى جنين الحكومي
في مدينة جنين، حمل عشرات المشيعين جثامين الشهداء الثلاثة وساروا في شوارع المدينة وهم يرددون عبارات “من جبع الأبيّة طلعت شمعة مضوية”، قبل أن تنطلق مسيرة التشييع إلى بلدة جبع مسقط رؤوس الشهداء. وفي البلدة، شارك المئات من الأهالي في تشييع الشهداء وصولا إلى مقبرة البلدة، حيث تم دفن جثامينهم.
وعمّ الحداد والإضراب الشامل بلدة جبع وأغلقت المحلات التجارية فيها حدادا على أرواح الشهداء، في حين قالت وزارة الخارجية الفلسطينية -في بيان- إن حكومة إسرائيل تستبدل الحلول السياسية بحلول إجرامية. وأن ما حدث في جبع اليوم هو بمثابة توجيه ضربة قاضية ومدوية لجهود خفض التوتر ومنع التصعيد.