واشنطن- لا تمثل لوائح الاتهام ضد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، التي أصدرتها هيئة محلفين كبرى في ولاية نيويورك يوم الخميس الماضي، أي عائق أمام حملته المستمرة للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة في 2024.
ويأمل ترامب في استخدام معضلته القانونية والاتهامات الجنائية ضده لمصلحته سياسيا، حيث يصور نفسه على أنه مضطهد ومستهدف ويقاتل ببسالة ضد النخبة السياسية الفاسدة.
قواعد ترامبية جديدة
جاء ترامب قبل خوضه انتخابات 2016 مغردا من خارج سرب السياسة التقليدية الأميركية بتقاليدها وأعرافها الراسخة، ونجح في تحقيق انتصار ساحق على أكبر عائلتين سياسيتين قوة ونفوذا في العقود الأخيرة، وهما عائلة بوش التي مثلها في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري آنذاك المرشح جيب بوش، وعائلة كلينتون التي مثلتها المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون في الانتخابات الرئاسية.
ويرى مراقبون أن ترامب لم يتفوه حتى اللحظة بكلمة “آسف” أو “لم أكن أقصد ذلك”، ورغم ذلك فقد قبل الكثير من الأميركيين بالتغاضي عن سقطاته وسلوكه الأخلاقي والقيمي.
من ناحية أخرى، لا يميل الناخبون إلى ممارسة عقوبة الإعدام السياسية إذا كانت التهم تنطوي على شكل من أشكال الفساد، فهناك اعتقاد واسع الانتشار بأنهم “جميعا يفعلون ذلك”.
وتعدّ حالة ترامب استثناء لما يحصل في أروقة السياسة الأميركية، إذ عادة ما ينسحب المرشحون لمناصب سياسية في حال وُجهت إليهم مخالفات أو اتهامات، ولذلك فإن الناخب الأميركي أمام فرصة تكاد تكون تاريخية لمتابعة رئيس سابق ومرشح للانتخابات المقبلة، وفي الوقت نفسه يحاكم جنائيا.
وكان ترامب قد أوضح في بيان له أنه سيجعل المحاكمة جزءا من حملته، واصفا إياها بأنها محاولة ديمقراطية لحرمانه من ولاية رئاسية أخرى.
وقال إن “الديمقراطيين فعلوا ما لا يمكن تصوره بتوجيه الاتهام إلى شخص بريء تماما، في عمل من أعمال التدخل الصارخ في الانتخابات”.
وتضاف اتهامات المدعي العام بولاية نيويورك إلى قائمة تحقيقات يراها ترامب مفتعلة، بدءا من مزاعم التواطؤ الروسي في انتخابات 2016، ومحاولتي عزله الفاشلتين في الكونغرس، واقتحام مكتب التحقيقات الفدرالي “إف بي آي” (FBI) منزله لتفتيشه والتحقيق في احتفاظه بوثائق سرية في منتجع في “مارالاغو”.
ترامب الاستثناء
ما يتعرض له ترامب من اتهامات جنائية كفيل بإسقاط أي مرشح تقليدي، وكفيل بأن يبعد عنه دعم الملايين من الناخبين، خاصة مع بدء إرهاصات الحملة الانتخابية لعام 2024.
لكن العكس حصل مع ترامب، حيث زادت التبرعات المالية لحملته الانتخابية، في وقت وسَّع فيه الفارق مع أقرب منافسيه المهتمين بالترشح على بطاقة الحزب الجمهوري.
إلى جانب ذلك، فقد آثرت القيادة الجمهورية في مجلسي الشيوخ والنواب عدم انتقاد ترامب، ولم تطلب منه التنازل عن ترشحه في الانتخابات الرئاسية القادمة، كما لم يتجرأ أيٌّ من المرشحين المنافسين أو المحتملين لترامب على استغلال فرصة توجيه اتهامات جنائية له، لمهاجمته أو مطالبته بالخروج من السباق.
وقال مايك بنس نائب الرئيس الأميركي السابق، في حديث لشبكة “سي إن إن” (CNN)، إن توجيه اتهامات رسمية لترامب يمثل ضربة للديمقراطية الأميركية، مضيفا أن الملايين من الأميركيين لن يروا في هذه القضية إلا “الاضطهاد السياسي”.
بدوره انتقد رون دي سانتيس -المنافس الأبرز حاليا لترامب- هذه الاتهامات، واصفا الأمر بأنه “مناف للقيم الأميركية”.
في الوقت ذاته، نجحت حملة ترامب في جمع أكثر من 4 ملايين دولار في أول 24 ساعة بعد توجيه الاتهامات له.
تقدّم قوي
ولا يزال ترامب يحتفظ بتقدم قوي في استطلاع رأي أجراه موقع ياهو بالتعاون مع خدمة ونيوز-يوجوف، إذ أظهر الاستطلاع الذي أُجري عقب الإعلان عن اتهامه من قبل هيئة محلفين كبرى في مانهاتن بولاية نيويورك، عن تقدمه الكبير على منافسيه الجمهوريين الحاليين والمحتملين الآخرين لخوض انتخابات 2024.
وتقدم ترامب بفارق 31 نقطة على أقرب منافسيه المحتملين من الحزب الجمهوري، حاكم فلوريدا رون دي سانتيس، فحصل ترامب على 52% من الأصوات، وجاء دي سانتيس في المرتبة الثانية (21%)، تليه السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي (5%)، ثم نائب الرئيس السابق مايك بنس (3%).
ويعتقد الكاتب جيف غرينفيلد أنه بالنظر إلى تاريخ ترامب ذي “الأرواح السبعة”، لن يكون مفاجئا إذا رأى نفسه ينتقل من القسم على قول الحقيقة في قاعة المحكمة أمام القاضي وهيئة المحلفين، إلى القسم على تنفيذ الدستور عند تنصيبه أمام مبنى الكابيتول رئيسا جديدا للولايات المتحدة.