بغداد- للمرة العاشرة على التوالي، أجّلت محكمة جنايات الرصافة ببغداد محاكمة قاتل الخبير الأمني هشام الهاشمي، بسبب عدم إمكانية جلب المتهم إلى المحكمة، وهو ما أثار العديد من علامات الاستفهام بشأن ذلك.
فقبل ساعات، نشرت وسائل إعلام المحلية وثيقة رسمية مسرّبة من وزارة العدل العراقية، مؤرخة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تؤكد عدم وجود المتهم أحمد حمداوي الكناني في سجونها الإصلاحية، كما تؤكد عدم امتلاكها أي سجلات أو قيود تتعلق به.
وبعد انتشار الوثيقة المسرّبة، أكدت عضو مجلس النواب نداء حسن كاظم صحة الوثيقة الصادرة عن الوزارة والموجهة لمكتبها، والمتعلقة باستفسار مكتب النائبة عن حقيقة وجود المتهم بمقتل الهاشمي في سجون الوزارة، وأكدت الوثيقة خلو سجون الوزارة من المتهم ومن أي بيانات تتعلق به.
وفي حديث حصري للجزيرة نت، أوضحت نداء أنها حاولت الاستفسار عشرات المرات من وزارتي العدل والداخلية لأجل معرفة مصير المحاكمة وأسباب تأجيلها المستمر، مشيرة إلى أن وزارة الداخلية تغاضت عن أسئلتها، ولم تمنحها أي رد رسمي.
حيثيات القضية
وأثارت هذه الوثيقة غضبًا كبيرا بين ناشطي حقوق الإنسان الذين وجدوا أنها ليست سوى وسيلة لطمس القضية وإغلاق ملف مقتل الهاشمي.
وكان الخبير الأمني والإستراتيجي هشام الهاشمي قد قتل برصاص ملثمين يستقلون دراجة نارية في 6 يوليو/تموز 2020 أمام منزله بمنطقة زيونة شرق العاصمة بغداد، بعد خروجه من مقابلة تلفزيونية انتقد فيها أنشطة الجماعات الخارجة عن القانون، ليثير خبر مقتله -في حينها- ضجة محلية ودولية.
وفي يوليو/تموز 2021، بعد عام من مقتل الهاشمي، أعلن رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي إلقاء القبض على قاتله، في حين بث التلفزيون الرسمي اعترافات المتهم، ليتبين أنه ضابط برتبة ملازم أول يبلغ من العمر 36 عاما.
وحددت الهيئة القضائية المكلفة بالقضية يوم 7 مايو/أيار المقبل موعدًا للجلسة القادمة، إثر الطعن الجديد من الدفاع عن المتهم، بعد تأجيل المرافعة 10 مرات متتالية.
تضارب حكومي
في الشأن ذاته، يؤكد الناطق باسم وزارة العدل ومدير إصلاح الأحداث كامل أمين صحة الوثيقة المسربة، مبينا أن الوزير يجيب بشكل مستمر عن أسئلة أعضاء مجلس النواب، وأن المتهم الكناني لم يدخل سجون الوزارة من الأساس حتى يختفي منها، وفق قوله.
وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف أمين أن “وزارة العدل مسؤولة عن تنفيذ الأحكام، وتستقبل المدانين والمحكومين عن طريق إرسالهم من قبل وزارة الداخلية لوزارة العدل، كما لا تودع أي أحد في سجونها قبل النطق بالحكم”.
وعن الجهة التي يجب أن يكون المتهم مودعا لديها، أوضح كامل أن الكناني لا يزال قيد التحقيق باعتباره متهما، لا مدانا، وفي حال إصدار الحكم بحقه، فسيكون تنفيذ الحكم من مسؤولية وزارة العدل وحدها، لافتا إلى أن عدم وجود المتهم في سجون الوزارة لا يعني اختفاءه، وربما تفضل وزارة الداخلية عدم الإفصاح عن مكان وجوده نظرا لحساسية الموضوع، وفق تعبيره.
وفيما يتعلق بالتأجيل المستمر لمحاكمة المتهم، يختتم أمين حديثه بالقول إن التأجيل يحدث بشكل مستمر ولعدة أسباب وفقا لقانون أصول المحاكمات، سواء كان ذلك من قبل القضاء أو الحق الخاص أو بطلب الدفاع عن المتهم، ولكل قضية إشكالاتها وتفرعاتها.
وبالذهاب إلى وزارة الداخلية، يؤكد المتحدث باسمها اللواء خالد المحنا أن وزارته لا يمكنها التصريح بشكل رسمي بخصوص الموضوع، لأن المعلومات متضاربة و”سنعلق على ذلك حال حصولنا على المعلومات الدقيقة”.
احتمالية هروبه
وبحسب عضو مجس النواب نداء حسن كاظم، فإنه “تم إصدار حكم الإعدام بحق المتهم، ثم تقدم وكيله بطلب تمييزي حيال قرار الإحالة المرقم (1215) المؤرخ في 18 أغسطس/آب 2021، حيث قررت المحكمة رد طلب التمييز دون تواجد المتهم، إذ تعذر إحضاره لأكثر من مرة، لذا فاتحنا وزارة الداخلية لمعرفة مكان توقيفه وأسباب عدم إحضاره، ولم تُجب الوزارة على كُل ما ذُكر، إضافة إلى الشكوك حيال هروبه، الأمر الذي يفتح علامات استفهام كثيرة”.
ولا تنفي عضو مجلس النواب وجود معلومات حول محاولات لتهريب المتهم في 9 مارس/آذار الجاري، بالتزامن مع تقديم طعن ثان حيال قضيته، دون علم أي جهة حكومية بمكان توقيفه، وإذا ما كان موجودا في العراق أم لا، وفق قولها.
وتختتم عضو مجلس النواب حديثها للجزيرة نت بالقول “نطالب بالقصاص من هذا المتهم منذ سنتين، حيث اعترف بجريمته. لكن الحقيقة أن من نفذ العملية هم مجموعة تتألف من 4 أشخاص، أحدهم يدعى حسين المالكي، وهو هرم الخطة، ولم يتم الحديث عنه وعن باقي المتهمين”.
وفي غضون ذلك، توضّح الناشطة ذكرى سرسم أن القضاء العراقي يعجز منذ سنتين عن إحضار المتهم بعد اعترافه بجريمته، مشيرة إلى أن هذه الحادثة تعطي مؤشرا خطيرا، خاصة أن القاتل منتسب للقوات الأمنية، أي أنه يستخدم منصبه العسكري لسنوات في ممارسات لا يُعرف عنها شيء، وتكللت باغتيال هشام الهاشمي، وفق سرسم.
وفي حديثها للجزيرة نت، تتساءل سرسم “من الذي يحمي المتهم أحمد الكناني، وما الجهة التي تحتفظ به، ولماذا لم نرَ صورته خلال المحاكمات السابقة كلها؟!”، منبهة إلى أن وزارتي العدل والداخلية تتحملان مسؤولية اختفائه وانقطاع أخباره، وأن الاستهانة بقضيته لا تبشر بخير، وتُنذر باندثار مصير الضحايا ومصادرة حقوقهم، وفق تعبيرها.