لندن– كلما طالت المعارك في أوكرانيا زادت حدة التوتر بين روسيا وبريطانيا، فالعلاقة بين موسكو ولندن انتقلت إلى مرحلة جديدة من التهديد والوعيد عقب إعلان وزارة الدفاع البريطانية عن إمداد أوكرانيا بقذائف مزودة باليورانيوم المنضب تخترق الدروع، وذلك لاستعمالها في دبابات “تشالنجر 2” البريطانية الصنع والتي منحتها للجيش الأوكراني.
هذه الخطوة أغضبت موسكو ودفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى التعليق عليها، مؤكدا أن بلاده سوف ترد بشكل مناسب “بعد أن بدأ الغرب باستعمال أسلحة تتضمن مكونات نووية”، لترد وزارة الدفاع البريطانية بأن العالم يعلم أن اليورانيوم المنضب لا يعتبر سلاحا نوويا، وأن هذا النوع من اليورانيوم يوجد في العديد من الأسلحة، بما فيها أسلحة تستعملها روسيا نفسها.
ورغم ذلك فإن روسيا تصر على أن استعمال هذه القذائف تطور خطير ويجر العالم نحو حرب نووية كما عبر عن ذلك رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف الذي قال إن تزويد أوكرانيا بهذه الأسلحة “يقرب العالم من نهاية نووية”، فلماذا يثير اليورانيوم المنضب كل هذا الجدل؟ ولماذا تخشاه روسيا؟
-
ما هو اليورانيوم المنضب؟
هو المادة المتبقية بعد إزالة معظم أشكال اليورانيوم ذات النشاط الإشعاعي المرتفع والمعروفة باسم “يو-235” (U-235) من خام اليورانيوم الطبيعي، وتعتبر هذه الأشكال هي القادرة على توفير الوقود المستخدم لإنتاج الطاقة النووية والرؤوس النووية المستعملة في الأسلحة النووية.
ويعتبر اليورانيوم المنضب أقل نشاطا إشعاعيا، حيث تنبعث منه جزيئات “ألفا” التي لا تحتوي على طاقة كافية للمرور عبر الجلد، وهو ما يجعلها لا تعتبر سلاحا نوويا، ولا يشكل تعرض جلد الإنسان لها خطرا كبيرا جدا رغم أن اليورانيوم المنضب قد يشكل خطرا صحيا عند استنشاقه.
وفي سبعينيات القرن الماضي بدأ الجيش الأميركي في صنع قاذفات خارقة للدروع تحتوي على اليورانيوم المنضب، وأخذ يضيفه إلى دروع الدبابات لتقوية قدرتها على مقاومة الصواريخ، كما قام الجيش الأميركي بإدخال اليورانيوم المنضب إلى الصواريخ التي تطلقها طائرات الدعم الجوي من طراز “إيه 10” (A10)، وهي الصواريخ القادرة على تدمير الدبابات.
-
ما هي قذائف اليورانيوم المنضب؟
يتم استخدام اليورانيوم المنضب في الأسلحة والقذائف، لأنه قادر على اختراق الدبابات والدروع بسهولة أكثر بسبب كثافته وخصائصه الفيزيائية.
وتقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن اليورانيوم المنضب يستخدم في الأسلحة المخترقة للدروع وكذلك في تصنيع الدروع نفسها لتقويتها، وتصبح القذائف التي تحتوي على اليورانيوم المنضب أكثر حدة وقوة وتشتعل بسرعة عند ملامستها للدروع.
-
هل يعتبر اليورانيوم المنضب سلاحا نوويا؟
حسب معهد الأمم المتحدة لأبحاث نزع السلاح، فإنه لا يمكن اعتبار ذخيرة اليورانيوم المنضب أو المستنفد أسلحة نووية، وإن هذا اليورانيوم لا يفي بالتعريف القانوني للأسلحة النووية أو الإشعاعية أو السامة أو الكيميائية أو الحارقة.
-
هل يشكل اليورانيوم المنضب خطرا على الصحة؟
حسب بلاغ لوزارة الدفاع البريطانية، فإن مجموعة من العلماء في مؤسسة “المجتمع الملكي” المختصة في الأبحاث العلمية والبيئية قد توصلت إلى كون التأثير الصحي لاستعمال الأسلحة المشتملة على اليورانيوم المنضب يعتبر “منخفضا جدا”.
في المقابل، فإن تقريرا صدر سنة 2022 عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة “يو إن إي بي” (UNEP) أكد أن استعمال اليورانيوم المنضب يشكل تهديدا للبيئة في أوكرانيا، وهناك دول حظرت استعماله في الأسلحة مثل بلجيكا وكوستاريكا.
-
هل هناك خطر إشعاعي من استعمال اليورانيوم المنضب؟
حسب موقع الاتحاد الأوروبي، فإنه من بين جميع نظائر اليورانيوم المشعة يعتبر اليورانيوم المنضب الأقل نشاطا إشعاعيا، وعادة ما يكون أقل بنسبة 40% من اليورانيوم غير المعالج.
ويكون نشاط اليورانيوم غير المنضب بشكل رئيسي على شكل جزيئات “ألفا” التي لا تخترق الجلد، وهذا يعني أن مخاطر الإشعاع من اليورانيوم المنضب قد تنشأ من استنشاق الغبار أو شرب ماء ملوث به أو دخول الشظايا إلى الجسم.
-
هل سبق أن تم استعمال اليورانيوم المنضب؟
تم استخدام اليورانيوم المنضب وبكثرة من قبل الجيش الأميركي في حرب الخليج الأولى سنة 1991 ضد الدبابات العراقية من طراز “تي-72” (T-72)، وكذلك فعلت سنة 2003 خلال غزو العراق، كما تم استعماله في صربيا وكوسوفو.
وظهرت بعض الأعراض والأمراض في صفوف الجنود الأميركيين والبريطانيين الذين شاركوا في غزو العراق، وحسب بعض الدراسات فإن أكثر من 250 ألف جندي شاركوا في حرب الخليج وغزو العراق عانوا من أعراض مثل ضيق التنفس وعدم القدرة على النوم وآلام الرأس، وهو ما أطلق عليه حينها اسم مرض “متلازمة الخليج”، وكان التفسير المنتشر أن هذا سببه الاستعمال المكثف لليورانيوم المنضب في القذائف.
وأظهرت دراسة لجامعة بورتسموث البريطانية أن سبب هذه الأعراض ليس اليورانيوم المنضب، وذلك بعد أن أجرت تحاليل على الجنود الذين يعانون من هذه الأعراض، ووجدت انعدام أي أثر لليورانيوم في أجسادهم.
وترجح الدراسة أن سبب هذه الأعراض قد يكون مواد كيميائية أخرى، مثل التعرض لغاز السارين المثير للأعصاب.