مراسلو الجزيرة نت
الدوحة – تباينت الأدوار الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط ما بين الدعم العسكري لأحد طرفي الحرب الروسية الأوكرانية، والبحث عن توافق سياسي ينهي صراعا تجاوزت تداعياته السياسية والاقتصادية دول جوار طرفي النزاع.
واتفق المشاركون في الجلسة الرابعة لفعاليات منتدى الجزيرة بدورته الـ14، التي جاءت تحت عنوان “الحرب والشرق الأوسط.. تداعيات الحرب في ظل اختلاف الأدوار الإقليمية”، على أن القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط قامت بأدوار متفاوتة، وانخرطت في هذه الأزمة العالمية بأشكال متعددة، وجنت منها مكاسب مختلفة.
وتطرق المشاركون في الجلسة إلى دور تركيا البارز في الأزمة، سواء في ساحة المعركة أو في ميدان الوساطة، وهي التي تعد من أكثر الرابحين من الصراع، إضافة لمناقشة دور إيران التي بدت وكأنها طرف في هذه الحرب إلى جانب روسيا، الأمر الذي زاد من توتر علاقاتها في الغرب، فضلا عن إسرائيل التي تبحث عن دور مؤثر في الصراع يعزز تحالفاتها الإقليمية والدولية دون الإضرار بعلاقاتها التاريخية مع حليفتها روسيا.
الدور التركي
ويوضح الأستاذ المشارك بجامعة صقاريا التركية إسماعيل نعمان ثلجي أن الحرب الروسية على أوكرانيا أدت لصدمة كبيرة للأسرة الدولية، حيث لم يكن العالم مستعدا لهذه الأزمة في الوقت الذي كان يتعافى فيه من جائحة فيروس كورونا.
وأضاف ثلجي أن تركيا ترتبط بعلاقات تجارية وطيدة مع روسيا، وفي الوقت نفسه تعمل على تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا، مبينا أن الصراع القائم كان يمكن أن يعود على أنقرة سلبا لولا أنها نجحت في إدارة علاقاتها بشكل جيد مع الغرب فيما يتعلق بهذا الملف.
أما عن كيفية التعامل، فأوضح أن أنقرة اعتمدت 3 ديناميكيات في التعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية، وتمثلت في 3 محاور رئيسية هي الدفاع والتسلح، وجهود الوساطة، والمبادرات التي أطلقتها، مبينا أن الحرب قد تأتي بالنفع على تركيا وليس العكس، عازيا ذلك للعقوبات الغربية على روسيا التي ستضطر للجوء لأنقرة اقتصاديا وتجاريا.
وكانت تركيا ولا تزال تحمل الموقف الرافض ذاته للغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أنها تستمر في الحفاظ على نهج الإدانة للغزو مع السعي للقيام بدور الوسيط للتفاوض ووقف الأعمال القتالية.
مصلحة إيران
بدوره، يرى الأستاذ المشارك في كلية الدراسات الدولية بجامعة طهران الدكتور فؤاد إيزدي أن الحرب على أوكرانيا سرّعت من التحول إلى عالم متعدد الأقطاب في العلاقات الدولية، الأمر الذي لا يمكن معه التفكير في علاقات طبيعية بين روسيا والغرب.
واضاف إيزدي أن الحرب الروسية الأوكرانية جاءت في مصلحة إيران في ظل العقوبات الأميركية على بلاده، خاصة أن الإيرانيين يفضلون العيش في عالم متعدد الأقطاب بدلا من عالم تسيطر عليه الولايات المتحدة.
وتابع أنه رغم الفرص والتحديات التي حملتها الحرب لإيران، فإنها بشكل عام عمقت التعاون بين طهران وموسكو على المستوى الاقتصادي، إذ دفعت العزلة الاقتصادية والسياسية روسيا وإيران إلى تعزيز التعاون بينهما بشكل أكبر، وفق قوله.
وأوضح إيزدي أن إيران تعد من أكثر دول الإقليم التي حاولت الاستفادة من الفرص التي قدمتها الحرب الروسية الأوكرانية، إذ إنه لاعتبارات العلاقة بين موسكو وطهران، فإن الحرب فرضت على بلاده تداعيات، بعضها انعكس فرصا لبلاده، في حين جاء بعضها تحديات.
وشدد على أن الموقف الإيراني من الصراع تجسد في أكثر من صورة، مثل عدم إدانة روسيا وتحميل روسيا وأوكرانيا مسؤولية الحرب، فضلا عن إدانة سياسات الغرب تجاه بعض الدول، ولا سيما سياسات حلف شمال الأطلسي (ناتو).
القضية الفلسيطينية
وفيما يتعلق بانعكاس الحرب الروسية الأوكرانية على القضية الفلسطينية، رأت الباحثة المتخصصة في علم الاجتماع السياسي هنيدة غانم أن التعاطي الغربي مع تداعيات الحرب أعطى صورة واضحة ليس فقط عن ازدواجية المعايير، بل عن حقيقة من يقرر المعايير ويصادرها، معلقة “هنا أصبح التعاطي مع مقاومة الاحتلال الروسي مختلفا تماما مع طريقة التعاطي مع مقاومة الاحتلال الإسرائيلي”.
وقالت غانم، خلال الجلسة، إن أجواء الحرب في أوكرانيا أسهمت -ولو مؤقتا- في تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، إذ إن الاهتمام بات منصبا فقط على الصراع في أوكرانيا، في حين وُضِعت القضية الفسطينية في الساحة الخلفية، ويمكن العودة لها فقط عند اشتعال الوضع من أجل إخماد الحرائق فقط، وفق تعبيرها.
ومن المفارقات، أضافت أن إسرائيل تحاول لعب دور الوساطة بين طرفي النزاع، فضلا عن الاستفادة من الحرب من خلال استقطاب المهاجرين اليهود من أوكرانيا، واستخدام نفوذها من خلال الضغط على بعض الدول لرفض استقبال اليهود الأوكرانيين من أجل دفعهم للتوجه إلى “إسرائيل”، وفي الوقت نفسه الحفاظ على علاقتها التاريخية مع روسيا.
وعن الدور الفلسطيني، شددت على ضرورة أن تستفيد السلطة الفلسطينية بصورة إيجابية من الحرب الروسية على أوكرانيا، لا سيما من خلال ربط الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بما تتعرض له أوكرانيا من احتلال، مع مطالبة المجتمع الدولي بعدم الازدواجية في تطبيق المعايير.
ودعت هنيدة غانم لاستغلال الحرب الروسية الأوكرانية بطريقة غير مباشرة عبر ابتكار مبادرات لاستنهاض وتحريك ملف القضية الفلسطينية، وذلك من خلال تحرك نوعي يؤدي لإعادة الاعتبار للموضوع الفلسطيني، لا سيما مع حالة الغليان في الشارع الفلسطيني نتيجة الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية.