اختبارات الوظائف المدنية بمصر تحت إشراف مباشر من الرئيس.. دعم أم عسكرة؟ | سياسة

القاهرة – داخل قاعة بالأكاديمية العسكرية، جلس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وحوله عدد من القادة العسكريين في وقت يتناوب فيه شباب وفتيات بزي موحد الوقوف أمام رأس السلطة، ليكونوا أمام آخر محطة للاختبارات المؤهلة للالتحاق بوظائف تتبع الجهاز الإداري للدولة.

مشهد يعدّ سابقة في تاريخ ممارسة المهام الرئاسية بالبلاد، فلأول مرة يشرف رئيس مصري على اختبارات وظائف مدنية؛ إذ كانت التعيينات الحكومية تتم في إطار دوائر العمل المدنية دون تدخل رأس السلطة أو تحت إشراف عسكري.

وبحسب بيان رئاسي صدر الاثنين الماضي، فإن الاختبارات التي أجريت لعدد من المتقدمين لشغل وظائف مدرسين بوزارة التربية والتعليم، عقدت بالتعاون مع الأكاديمية العسكرية المصرية بحضور وزيري الدفاع والتعليم.

وأجرى السيسي حوارا مع المختبَرين للتعرف على آرائهم وأفكارهم بشأن الوظائف التي تقدموا للالتحاق بها، والجهود الجارية لتحقيق التنمية في قطاعات الدولة، مؤكدا حرص السلطة على اتّباع أعلى المعايير العلمية والفنية لانتقاء أفضل العناصر البشرية للوظائف العامة.

ووفق قانون الخدمة المدنية الذي تم سنّه في عام 2016، يجب أن يمر المتقدم لوظيفة في الجهاز الإداري للحكومة باختبارات قبل قبوله وتعيينه.

وكانت وزارة التربية والتعليم أعلنت عن مسابقة لتعيين 30 ألف معلم ضمن خطة حكومية للتعاقد مع 150 ألف معلم على مدى 5 سنوات، وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن وزير التعليم أن الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة انتهى من اختبار نحو 27 ألف متقدم للوظيفة “ينقصهم تدريب تربية عسكرية لبدء العمل”، دون توضيح لطبيعة ذلك التدريب.

أهلا بالعسكرة

وفي مشهد شديد التماثل، حضر السيسي اختبارات المتقدمين لشغل وظائف بوزارة النقل في فبراير/شباط الماضي، لكن حينئذ أكد وزير النقل كامل الوزير أن الأمور جرت دون ترتيب مسبق، حيث تصادف وجود السيسي داخل الكلية الحربية وقت انعقاد الاختبارات.

وبحسب تأكيد الوزير -في تصريحات متلفزة- فقد طلب السيسي بشكل مفاجئ حضور الاختبارات النهائية كي يطمئن على سير العمل وفق توجيهاته الخاصة باختيار أكفأ العناصر المتقدمة.

وأوضح أنه تم إجراء اختبارات فنية للموظفين الجدد بوزارة النقل، وفي مرحلة تالية أجريت لهم اختبارات طبية ونفسية بالكلية الحربية، وبعد ذلك حصلوا على دورة تدريبية لمدة 6 أشهر بكلية التكنولوجيا العسكرية، لضمان ثقل خبراتهم على مستويات عدة مثل التكنولوجيا والأمن القومي.

وردا على تخوفات خاصة بعسكرة القطاعات المدنية باتباع هذا النهج مع كل التعيينات اللاحقة، قال وزير النقل “أهلا وسهلا بالعسكرة لو أن اختيار الموظفين سيكون وفق هذه الطريقة”، مستطردا “ما العيب في أن نُعلم المتقدمين الأمن لكي نحميهم ونحصنهم من الشرور؟ نحن نستهدف تعيين موظفين أكفاء وطنيين.. وأنا شخصيا أجريت عليّ تحريات وكشوفات قبل الالتحاق بالكلية العسكرية”.

ويعد كامل الوزير أحد القادة العسكريين الذين تم منحهم وظيفة مدنية، حيث رُقي في مارس/آذار 2019 إلى رتبة فريق، وتم تعيينه وزيرا للنقل، كما يحمل 5 وزراء آخرون رتبا عسكرية، فضلا عن 20 لواء من الجيش والشرطة يتولون منصب محافظ من بين 27 محافظا.

إحكام السيطرة

وحضر الرئيس المصري مرات عدة اختبارات قبول طلاب الأكاديمية العسكرية، وهي الكيان الذي يضم الكليات الحربية والجوية والبحرية والدفاع الجوي وكلية التكنولوجيا العسكرية، لتصبح مؤخرا مكانا لاستقبال اختبارات وظائف المدنيين.

كذلك يحرص السيسي منذ توليه حكم البلاد على حضور حفلات تخرّج طلاب الأكاديمية العسكرية، فضلا عن حفلات التخرج بأكاديمية الشرطة.

وفي يوليو/تموز الماضي، صدر قرار رئاسي بمنح خريجي كليات الأكاديمية العسكرية درجات علمية من الجامعات المدنية، وبموجبه يحصل خريجو كليتي الحربية والبحرية على بكالوريوس العلوم السياسية، وخريجو كلية الدفاع الجوي على بكالوريوس في هندسة الاتصالات، وخريجو الكلية الجوية على بكالوريوس إدارة الأعمال والحاسبات والمعلومات.

وهذا الأمر فتح الباب حينئذ لتخوفات من المزيد من السيطرة العسكرية على وظائف القطاع الإداري للدولة، الذي يشغله في العادة خريجو مؤسسات تعليمية مدنية.

ولا يوجد حصرٌ حديث لعدد العاملين بالقطاع الإداري للدولة، فآخر تعداد رسمي أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء كان في عام 2017 حيث بلغ عددهم حوالي 5 ملايين موظف.

 

 

ماذا يحدث داخل الأكاديمية؟

لا يوجد توضيح رسمي لتفاصيل التدريبات التي يحصل عليها المتقدمون لشغل وظائف مدنية داخل الأكاديمية العسكرية، ولا سبب اختيار كيان عسكري لتقديم تدريبات في ظل وجود بديل مدني، وهو الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة المخول بإجراء الاختبارات اللازمة لموظفي القطاع الإداري للدولة.

وخلال برنامجه المذاع على قناة صدى البلد الفضائية، قال الإعلامي المقرب من السلطة أحمد موسى إن المتقدمين لوظائف بقطاع النقل تم تأهيلهم بنفس مستوى الملتحقين بالكليات العسكرية والشرطية خلال الدورة التدريبية التي تستمر لستة أشهر.

وأشار إلى إجراء التحريات الأمنية من قبل المخابرات والأمن الوطني حول هؤلاء المتقدمين، “مما يضمن أن يكون الموظف منتميا لمصر وليس لأي جهة أخرى”.

وفي يوليو/تموز 2021، وافق البرلمان المصري على إقرار قانون يسمح بفصل الموظف بالقطاع الإداري إذا ثبتت عليه قرائن جدية تمس الأمن القومي للبلاد.

من جهته، رأى الخبير بالمركز القومي للامتحانات والتقييم التربوي الدكتور محمد فتح الله حضور رئيس الجمهورية اختبارات المتقدمين لوظائف بقطاع التعليم مشهدا مطمئنا، حيث يؤكد أن اختيار الموظفين الجدد تم بشكل عادل بعيدا عن الوساطة والمحسوبية.

وقال -في حديث للجزيرة نت- إن إشراف رئاسة الجمهورية على الاختبارات يعطي فرصة للمستبعدين من الوظائف الجديدة إمكانية اللجوء إلى مكتب شكاوى الرئاسة للتظلم وضمان النظر في تظلمهم.

وعن طبيعة اختبارات المعلمين التي كانت تجرى قبل تعاون الأكاديمية العسكرية في هذا الصدد، قال فتح الله إن الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة يشرف على تلك الاختبارات التي تكون على عدة أصعدة منها التربوي والتخصصي، فضلا عن القدرات الشخصية.

وفي الإطار نفسه أثنى الكاتب الصحفي مؤنس زهيري على إجراء اختبارات المعلمين الجدد داخل مؤسسة عسكرية.

وقال -في منشور على فيسبوك- إن تأسيس البشر على نهج الوطنية المتأصلة في عقيدة العسكرية المصرية يعد الاختيار الحقيقي نحو بناء عقيدة أجيال جديدة من المعلمين يتولون بدورهم مسؤولية تنشئة التلاميذ على مفاهيم الوطنية والانضباط.

ولدى زهيري نظرة متفائلة طموحة بشأن الأجيال الجديدة التي ستتخرج على أيادي من سماهم “دفعات المعلمين خريجي الأكاديمية العسكرية المصرية”، فهي التي ستعمر وتدير مباني ومنشآت الدولة في الجمهورية الجديدة.

تدمير الروح المعنوية

ومن زاوية مختلفة، رأى مدير المركز الدولي للدراسات التنموية والإستراتيجية الدكتور مصطفى يوسف تدخل مؤسستي الرئاسة والجيش للإشراف على اختبارات الوظائف المدنية بمثابة “استمرار لممارسات السلطة الحالية في عسكرة كل مفاصل الدولة”.

وأضاف -في تصريح للجزيرة نت- أن حضور السيسي مثل هذه الاختبارات يعد رسالة لداعميه من جنرالات الجيش بأن فترة حكمه هي الأمثل للعسكريين على حساب المدنيين.

 

 

وعن تداعيات الأمر، أكد يوسف أنه يدمّر الروح المعنوية لكل منتسبي الدوائر الحكومية، وينذر بهجرة العقول للبحث عن فرصة عمل وحياة كريمة بعيدا عن أجواء العسكرة التي باتت تسيطر على وطنهم.

وانتقد توغّل الجيش في الحياة المدنية خاصة من الناحية الاقتصادية، وهو الذي سيؤدي حتما لانشغاله عن أداء مهمته الأساسية في حماية الحدود وتطوير الصناعات الدفاعية.