تونس- اختلفت وجهات النظر بشأن سلسلة الإقالات التي استبعدت تباعا وزراء مقربين من الرئيس التونسي قيس سعيد، بين من اعتبرها دليلا على تخبط الرئيس في إدارة الحكم وبين من قدّر أنها تصب في سياق ضخ دماء جديدة لتحسين أداء حكومته خلال المرحلة المقبلة.
آخر الإقالات التي أعلنتها رئاسة الجمهورية التونسية شملت أمس الجمعة وزير الداخلية توفيق شرف الدين العضد الأيمن لسعيد، وقد أثار استبعاده ضجيجا واسعا بشأن أسباب تنحيته، في وقت كان وزير الداخلية المقال أعلن بنفسه أن الرئيس قبل استقالته.
وقبل تنحية وزير الداخلية كانت رئاسة الجمهورية أعلنت سابقا عن إنهاء مهام وزير الخارجية السابق عثمان الجرندي ووزير التشغيل نصر الدين النصيبي وزراء آخرين، منهم وزير التربية فتحي السلاوتي ووزيرة التجارة فضيلة الرابحي ووزير الفلاحة إلياس حمزة.
وجميع هؤلاء الوزراء قام الرئيس بتعيينهم في مناصبهم بناء على تقييمات سابقة لسيرهم الذاتية وعلى أساس موافقهم المؤيدة للإجراءات الاستثنائية التي اتخذها قبل أكثر من عام ونصف، رغم أن المعارضة اعتبرتها ضربة لمسار الانتقال الديمقراطي بالبلاد.
وعلى عكس ما نشرته رئاسة الجمهورية في أكتوبر/تشرين الأول 2020 بشأن قبول الرئيس استقالة مستشارته رشيدة النيفر فإن الرئاسة لم تصدر سوى بيانات تتعلق بإعفاء باقي الوزراء وإقالتهم، دون توضيح رسمي بشأن أسباب تلك الإقالات التي يلفها الغموض.
ارتباك الرئيس
بدوره، يرى القيادي في حركة النهضة رياض الشعيبي أن الطريقة التي تم بها إعفاء عدد من الوزراء المقربين للرئيس -ومنهم وزير الداخلية توفيق شرف الدين- تعكس “ارتباكا” داخل منظومة السلطة التي تزداد عزلة في الخارج وتزداد عجزا في حلحلة الأوضاع الاقتصادية والمالية.
ويقول الشعيبي للجزيرة نت إن هناك “مشكلا أخلاقيا” في طريقة إعفاء الوزراء المقربين من الرئيس، ولا سيما أن بعضهم علموا بإقالتهم من خلال منصات التواصل، مؤكدا أن السلطة القائمة مستعدة للتخلي عن المقربين منها لأي سبب دون مراعاة للقواعد المتعلقة بالإقالات.
ومن وجهة نظره، فإن السلطة القائمة قامت بالتضحية بوزير الداخلية السابق بعد استخدامه أداة لقمع المعارضين وانتهاك حقوق السياسيين والنقابيين والإعلاميين جراء حملة توقيفات عشوائية هدفها ضرب خصوم الرئيس تكريسا لحكمه الفردي، وفق رأيه.
ومنذ فبراير/شباط الماضي شهدت تونس حملة توقيفات ضد سياسيين معارضين ورجال أعمال وقضاة ونقابيين وغيرهم بتهم خطيرة، منها التآمر على أمن الدولة وغسل الأموال، في حين تقول المعارضة إن التوقيفات هدفها تخويفها وإسكات صوتها.
ويقول الشعيبي إن وزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين ووزيرة العدل الحالية ليلى جفال من أكثر الوزراء نشاطا في الحكومة الحالية خدمة لمصالح الرئيس قيس سعيد، معتبرا أن أداءهما كان قويا في سياق التضييق على الحقوق والحريات، حسب تعبيره.
أما أداء باقي وزراء الحكومة فيقول إنه يتميز بالضعف والشلل، سواء على مستوى التواصل أو الإنجازات، مؤكدا أن الرئيس لم يقدم أي حلول للتونسيين سوى إثارة المشاعر السلبية من حقد وكراهية وتقسيم للمجتمع دون أي منجز اقتصادي أو اجتماعي.
دماء جديدة
في المقابل، قال أسامة عويدات القيادي بحركة الشعب المؤيدة للتدابير الاستثنائية للرئيس قيس سعيد إنه لا يمكن اعتبار تصريح وزير الداخلية توفيق شرف الدين بطلب استقالته قفزا من السفينة التي يقودها الرئيس، مؤكدا أنه ليس النوع الذي يهرب.
واعتبر أن إعلان الرئيس عن جملة من الإقالات في حكومته قد ينم عن توجهه لضخ دماء جديدة في منظومة الحكم، سعيا لرسم سياسات عامة جديدة تتماشى مع طبيعة المرحلة المقبلة بعد تشكيل برلمان جديد.
ويقر عويدات بـ”ضعف أداء الحكومة في تحقيق أهداف مسار 25 يوليو/تموز 2021″ تاريخ إعلان الرئيس عن التدابير الاستثنائية التي قام بموجبها بحل البرلمان وإقالة الحكومة السابقة وإلغاء الدستور السابق وحل المجلس الأعلى للقضاء وحكم البلاد بمراسيم رئاسية.
ويقول إن تونس دخلت مرحلة جديدة بعد تشكيل البرلمان الجديد، مما يتطلب إنهاء الحالة الاستثنائية وتشكيل حكومة سياسية تكون لها رؤية قادرة على حلحلة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي بقيت متأزمة وتراوح مكانها مع الحكومة الحالية، وفق تعبيره.
أكباش فداء
من جانبه، يقول النشاط السياسي حاتم المليكي للجزيرة نت إن تعيين الرئيس وزراءه يقوم على أساس الولاءات وليس الكفاءات، معتبرا أن جملة الإقالات السابقة كانت مزاجية وفق أهواء الرئيس الذي لم يقدم أي مبررات رسمية بشأن خلفية وأسباب تلك الإعفاءات.
ويقول المليكي إن المعيار المحدد لإقالة الوزراء بعيد عن منطق تسيير دواليب الدولة ويرتبط بمدى قرب الأشخاص وتوافقهم مع الرئيس قيس سعيد، مؤكدا أن الرئيس لا يزال يعيش حالة إنكار متواصل برفضه تحمل مسؤوليته في طريقة اختيار المسؤولين ورسم سياساته.
ويضيف المليكي أن الرئيس بصدد تحميل مسؤولية تردي الأوضاع لوزرائه من خلال تقديمهم كأكباش فداء، معربا في الوقت ذاته عن قلقه من تعيين والي تونس كمال الفقي وزيرا جديدا للداخلية جراء مواقفه المتشددة من حرية التعبير وحرية التظاهر في الشارع.
وكانت رئاسة الجمهورية التونسية أعلنت أمس الجمعة عن تعيين والي تونس كمال الفقي المعروف بولائه للرئيس قيس سعيد وزيرا جديدا للداخلية.
وكان الفقي رفض سابقا منح جبهة الخلاص المعارضة ترخيصا بالتظاهر في العاصمة ضد الرئيس.
وكان الاتحاد الأوروبي قد اعتمد -أول أمس الخميس- قرارا يحث فيه السلطات التونسية على الإفراج عن المعارضين الموقوفين واحترام حرية التعبير، مشددا على ضرورة تعليق برامج دعم الاتحاد الأوروبي الموجهة إلى وزارتي العدل والداخلية.