اتفق ضيفا حلقة برنامج “ما وراء الخبر” على أن استغناء واشنطن عن طائراتها الحديثة متعددة المهام الموجودة في الشرق الأوسط بأخرى هجومية قديمة، لا يعني انسحابا من المنطقة، وإنما يأتي في إطار إعادة تموضع في مناطق الصراع الملتهبة، وتغير في أولويات الأمن القومي الأميركي.
وفي حلقة البرنامج (2023/3/23) قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، خليل العناني، إنه يخطئ من يظن أن خطوة الولايات المتحدة، تأتي في إطار انسحاب من منطقة الشرق الأوسط بالمعنى الحقيقي، فقواعدها العسكرية لا تزال قائمة في دول المنطقة المختلفة، وهناك أكثر من 30 ألف جندي، إضافة إلى ترسانة مختلفة من الأسلحة.
يأتي ذلك على خلفية ما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال” (Wall Street Journal) الأميركية في تقرير لها من أن الولايات المتحدة سترسل طائرات هجومية قديمة من طراز “إيه-10” (A-10) إلى قواعدها في الشرق الأوسط، وسوف تنقل المقاتلات الحديثة المتعددة المهام من هناك وتحولها إلى منطقة آسيا والمحيط الهادي وأوروبا، لردع الصين وروسيا.
ونقل تقرير الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن نشر طائرات “إيه-10” المقرر في أبريل/نيسان المقبل يأتي ضمن خطة أوسع تتضمن أيضا الإبقاء على قوات بحرية وبرية محدودة بمنطقة الشرق الأوسط.
وفي حديثه لبرنامج “ما وراء الخبر” قال عناني إن رؤية واشنطن تتمثل في إعادة التموضع الإستراتيجي في مناطق الصراعات العالمية، والذي يعكس اعتبارها أن منطقة الشرق الأوسط لم تعد الأكثر التهابا، كما يأتي ذلك في إطار محاولة تعاطيها مع الأخطار في المنطقة العربية بمنظور مختلف.
وذكّر بأن عملية استبدال الطائرات، حملت رسائل سياسية، منها ما يعكس رؤية أميركا بأن الحرب في أوكرانيا مستمرة وستطول، ومن ثم هناك حاجة لإرسال طائرات ذات قدرات متطورة إلى هناك، كما فيها رسالة طمأنة لحلفائها بمنطقة بحر جنوب الصين، وخاصة اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، بوجود دعم عسكري متقدم لردع الخطر الصيني إن وجد.
منظور مختلف
ويشير في هذا السياق، إلى أن الولايات المتحدة في إطار الصراع مع إيران باتت تفضل احتواءها من خلال المفاوضات، مع بقاء احتمالية الخيار العسكري، والسعي في هذا السياق للاعتماد أكثر على حلفائها الإقليميين، ومن ذلك محاولاتها الحثيثة لدمج إسرائيل في الهيكل الأمني الجديد بالمنطقة العربية.
ورأى أن هناك جانبا سريا في خطة واشنطن يحمل ضمانات تهدئة لحلفائها الذين يعتمدون اعتمادا شبه كلي على السلاح الأميركي فيما يتعلق بردع أي مخاطر في المنطقة، لكنه رأى كذلك أن شعورا عربيا -وخاصة من دول الخليج- يتزايد، بصعوبة الاعتماد الكامل على القطب الأميركي، باعتبارها الحامية لها.
ومؤخرا، تواترت الإشارات الأميركية ذات الأبعاد الإستراتيجية المتعلقة بالخلافات العميقة مع الصين وروسيا، ومن ذلك ما ذكره وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في تصريحات حديثة، بأن عالم ما بعد الحرب الباردة “ولى”، وهناك منافسة شديدة جارية لتحديد ما سيأتي بعد ذلك، معتبرا أن زيارة الرئيس الصيني إلى روسيا أرسلت إشارة مقلقة للغاية.
بدوره، قال الخبير العسكري والإستراتيجي، اللواء فايز الدويري، إن هناك تحولا حاصلا خلال الفترة القريبة الماضية، يأتي في إطار تقدير واشنطن للموقف الإستراتيجي لسخونة مناطق الصراع، حيث تراجعت حدة الخطورة في منطقة الشرق الأوسط وتقدمت بقية المناطق عليها.
وأوضح في حديثه لما وراء الخبر، أنه مع هذا التقدير الجديد، رأت واشنطن أنه لا مانع من نقل هذه الطائرات لمنطقة بحر جنوب الصين، التي باتت أكثر مناطق الصراع سخونة، لافتا في ذات الوقت إلى أنه في حال ازدادت الخطورة في منطقة الشرق الأوسط، فإنه من الممكن أن تعود تلك الطائرات خلال 24 ساعة.
وأضاف “أميركا لم تنسحب من الشرق الأوسط، فهي لا تزال موجودة فيها كما هي موجودة في منطقتي الصراع الأخرى (شرق آسيا وبحر جنوب الصين)- ولا يمكن أن تنسحب من أي منها، لكن الأهمية تختلف من وقت لآخر، والآن أهمية المنطقتين الأخريين بدأت تطغى من حيث السخونة على منطقة الشرق الأوسط”.