واشنطن- في إطار رد الفعل الأميركي على إقرار الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) قانونا ينهي بشكل فوري قرارا كان نافذا منذ عام 2005 بإخلاء 4 مستوطنات في شمالي الضفة الغربية، عبرت واشنطن عن قلقها من القرار ووصفته بالاستفزازي، وسط مخاوف من إمكانية أن تدفع الخطوة الإسرائيلية إلى مزيد من التوتر خلال شهر رمضان وأعياد الفصح اليهودية والمسيحية.
ورسميا، تعارض واشنطن الإجراءات الاستيطانية الأخيرة، ويكرر أركان إدارة بايدن أن الولايات المتحدة لا تزال تعتقد أن حل الدولتين يظل أفضل طريقة لضمان أن يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون جنبا إلى جنب بسلام وأمن.
وتعرض الجزيرة نت في صيغة سؤال وجواب طبيعة العلاقة بين بايدن وحكومة بنيامين نتنياهو، وإلى أي حدود يمكن لواشنطن الضغط على تل أبيب في وقت لا تكترث فيه إدارة بايدن بملف القضية الفلسطينية.
-
ما أسباب الغضب الأميركي الأخير من حكومة نتنياهو وسياساتها تجاه الفلسطينيين؟
يعتبر تشارلز دان المسؤول السابق في البيت الأبيض ووزارة الخارجية والخبير بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن أن الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء إلغاء قانون عام 2005، وهو إجراء تعتبره تحريضيا وتراجعا مباشرا أيضا عن وعد قطعته للرئيس السابق جورج دبليو بوش، وتريد إدارة بايدن من الحكومة الإسرائيلية التراجع عن إلغاء هذا القانون، أو على الأقل الوعد بعدم السماح للمستوطنين بالانتقال إلى المنطقة “ج” في أعقاب ذلك.
وتساءل دان -في حديث مع الجزيرة نت- “عما إذا كانت لدى حكومة نتنياهو الإرادة والقدرة على القيام بأي من ذلك، وإذا لم يكن الأمر كذلك فإنه يمثل صداعا آخر لإدارة بايدن التي تريد قبل كل شيء إبقاء الأمور هادئة في إسرائيل وفلسطين، ويزيد السخط الذي يشعر به الكثيرون في الإدارة بالفعل بشأن اتجاه الحكومة الإسرائيلية الجديدة”.
بدوره، أشار المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية ولجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ غريغوري أفتانديليان في حديث للجزيرة نت إلى أن “حديث إدارة بايدن ضد قانون المستوطنات الإسرائيلي الجديد ينبع من إيمانها بأنه سيعمل على تأجيج الغضب الفلسطيني وسيؤدي إلى مزيد من العنف في الضفة الغربية المحتلة، وهكذا أصبحت قضية الاستيطان واحدة من العديد من القضايا الخلافية التي تؤثر على العلاقات الأميركية الإسرائيلية”.
-
ما حدود “العلاقة الخاصة” بين واشنطن وتل أبيب؟
يقول خبير العلاقات الدولية بمعهد ديمقراطية العالم العربي الآن آدم شابيرو -في حديث للجزيرة نت- إنه “حتى الآن لم تكن هناك أي حدود لما تسمى العلاقة الخاصة الإسرائيلية الأميركية، وما تفعله الحكومة الإسرائيلية هو استغلال عدم وجود قيود تفرضها الولايات المتحدة لاتخاذ تدابير للاستنتاجات المنطقية أو التمديدات، فالحكومة الإسرائيلية لا تستجيب للمطالب الأميركية في وقت تمتلك واشنطن سجلا طويلا في عدم دعم أقوالها بالأفعال عندما يتعلق الأمر بإسرائيل”.
-
لماذا لا يخشى نتنياهو غضب بايدن؟
ذكر أفتانديليان أن نتنياهو يؤمن بأنه يستطيع الإفلات من مثل هذه الإجراءات، لأن الأغلبية في الكونغرس الأميركي لا تزال داعمة جدا لإسرائيل بغض النظر عن سياساتها، وذلك على الرغم من أن المزيد من الديمقراطيين أصبحوا ينتقدون السياسات الإسرائيلية، خاصة سياسات وزراء اليمين المتطرف، ومع ذلك تحظى إسرائيل بدعم من أغلبية أعضاء الحزبين في الكونغرس.
ويفهم بايدن هذه التوازنات، لذلك لن يهدد بقطع المساعدات عن إسرائيل، ويرى الرئيس الأميركي وإدارته أن اليمين الإسرائيلي يتبع سياسات من المرجح أن تؤدي إلى العنف، وسيواصل التحدث علنا ضد هذه السياسات.
-
لماذا لا يتخذ بايدن موقفا صارما من السياسات الإسرائيلية الأخيرة؟
لدى الرئيس الأميركي جو بايدن تاريخ طويل من دعم إسرائيل خلال رئاسته لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ وخلال عمله نائبا للرئيس أوباما على مدار 8 سنوات.
وأشار أفتانديليان في حديث للجزيرة نت إلى أن “الولايات المتحدة ستواصل الدفاع عن أمن إسرائيل، خاصة تجاه التهديدات الإيرانية وعملائها، مثل حزب الله، وإذا كان هناك موقف قوي من قبل الدول العربية التي اجتمعت مؤخرا مع الولايات المتحدة وإسرائيل في شرم الشيخ فقد تتخذ إدارة بايدن خطوات ضد المصالح السياسية والدبلوماسية لإسرائيل”.
-
ما الاعتبارات التي يضعها بايدن في حساباته تجاه نتنياهو؟
قال آرون ديفيد ميلر المسؤول السابق والخبير في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي بواشنطن في حديث للجزيرة نت إن هناك 3 أسباب يضعها بايدن في حساباته تجعله يتجنب مواجهة الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو على النحو التالي:
أولا: سيكون قرار المواجهة بمثابة قرار سيئ سياسيا، فأي مواجهة علنية مع إسرائيل لن تنتهي بتغير موقفها، مما يجعل المواجهة لا طائل منها، خاصة في ظل الدعم الواسع من الحزبين داخل الكونغرس لإسرائيل.
ثانيا: ينظر بايدن للتاريخ القريب حين كان نائبا للرئيس باراك أوباما، حيث لم ينجح أوباما حينها في الضغط على نتنياهو، وتحداه نتنياهو وحصل على الكثير في هذه المواجهة.
ثالثا: ملف التفاوض مع إيران، لا يريد بايدن أن يستهلك رصيده في ملف لا عائد من وراء مواجهة إسرائيل فيه، ويرى الاحتفاظ بعلاقة جيدة بشأنه مع نتنياهو.
-
هل لدى بايدن خطوط حمراء تجاه تطرف حكومة نتنياهو؟
يدرك بايدن أنه لا عائد من المواجهة السياسية مع نتنياهو، ولا داعي لتدخل واشنطن المباشر مع بقاء الأوضاع تحت السيطرة النسبية، واعتبر ديفيد ميلر أن لدى بايدن 3 خطوط حمراء في ما يتعلق بسياسات حكومة نتنياهو تجاه الفلسطينيين، وهي:
- أن تحاول إسرائيل تغيير وضع المسجد الأقصى وقبة الصخرة.
- أن تبدأ عملية استيطان ضخمة تنقل من خلالها مثلا 300 ألف يهودي للاستيطان في المنطقة “ج” من الضفة الغربية.
- أن تحاول إسرائيل تغيير الوضع على الأرض بالقوة من خلال ترحيل آلاف الفلسطينيين أو استخدام العنف بطريقة مفرطة لا يمكن قبولها.
-
هل يكترث بايدن بملف القضية الفلسطينية؟
يقول آرون ميلر إن قضية فلسطين أصبحت قضية محلية بالأساس لا يكترث بتطوراتها سوى الفلسطينيين والإسرائيليين والأردن ومصر، ولم تعد قضية إقليمية مهمة تشغل القوى الكبرى، ومن الصعب تصور تحول النزاع إلى حرب إقليمية تشارك فيها دول عربية، كما أن التوتر فيها لا يؤثر على أسعار الطاقة، ولم يعد لها تأثير كبير على الأجندة العالمية في ظل تركيز الاهتمام حاليا على أوكرانيا عالميا، وإيران واليمن وزلزال تركيا وسوريا إقليميا.
-
هل تملك واشنطن أدوات يمكن استخدامها ضد إسرائيل؟
يرى تشارلز دان أنه إذا كانت واشنطن تريد حقا الضغط على إسرائيل فإن عليها التوقف عن الدفاع عنها في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة، أما إذا كان هذا سيجبر تل أبيب على إجراء تصحيحات شاملة للمسار فهذه قصة أخرى.
في حين يرى آدم شابيرو أن هناك العديد من الأدوات التي يمكن لإدارة بايدن استخدامها، من ضمانات القروض إلى التحركات الدبلوماسية إلى حظر التأشيرات إلى قطع المساعدة، وما إلى ذلك، ومع ذلك، حتى الآن كانت إدارة بايدن على استعداد فقط لإصدار نقد معتدل ومصوغ بعناية.
وأشار إلى أن هناك طريقا طويلا جدا يجب قطعه قبل أن تكون هناك عواقب فعلية، مع أنه لا يبدأ إلا بتوافر إرادة سياسية لكنها غائبة اليوم عن حسابات صناع القرار في واشنطن.