تونس- أثار تصريح مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن مخاوف الاتحاد من انهيار الوضع السياسي والاقتصادي في تونس ردود فعل متباينة؛ بين طرف رأى أن الوضع على حافة الانفجار، وآخر يرى أن تلك المخاوف مبالغ فيها.
وقال بوريل إن الوضع في تونس يسير نحو انهيار وشيك، وإن الانهيار يهدد بتدفق المهاجرين للاتحاد الأوروبي، مؤكدا أن الاتحاد لا يمكنه غض الطرف عما يحصل بتونس، مستبعدا في الوقت ذاته مساعدة تونس إذا لم توقع اتفاقا مع صندوق النقد.
لكن الخارجية التونسية رفضت تصريحات بوريل، مبينة أنها “غير متناسبة سواء بالنظر إلى القدرات الراسخة والمشهود بها عبر التاريخ للشعب التونسي على الصمود، وكذلك في ما يتعلق بالتهديد الذي تمثله الهجرة من دول الجنوب إلى أوروبا”.
وقالت الخارجية التونسية “تتواصل التصريحات الانتقائية في تجاهل لأي مسؤولية عن الوضع الذي ساد في تونس منذ عام 2011 وحتى 25 يوليو/تموز 2021″؛ تاريخ إعلان الرئيس قيس سعيد تدابير استثنائية عزل بها الحكومة والبرلمان السابقين.
وجاءت تصريحات برويل يوم الاثنين بعد اعتماد البرلمان الأوروبي خلال جلسته الخميس الماضي قرارا حول تونس، ويدعو فيه لإطلاق سراح “المعتقلين تعسفيا” وإعادة القضاة المعزولين لوظائفهم، داعيا لتعليق التعاون مع وزارتي العدل والداخلية.
كما تأتي عقب تعليق البنك الدولي إلى إشعار آخر مناقشات الشراكة والتعاون المستقبلي مع تونس للفترة بين 2023 و2027، بعد تصريحات للرئيس قيس سعيد عُدت عنصرية ضد مهاجرين غير نظاميين من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
حافة الانهيار
وحول هذا يقول القيادي بحزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني إن تقييم الاتحاد الأوروبي للوضع بتونس لم يكن مفاجئا، مستنكرا ما عدّه تدهورا شاملا للوضع السياسي ومناخ الحريات والوضع الاقتصادي في عهد الرئيس قيس سعيّد.
ويؤكد للجزيرة نت أن “تونس تسير على حافة الانهيار” بسبب الركود الاقتصادي، وضعف نسبة النمو، وارتفاع البطالة، وتآكل مخزون العملة الصعبة، وتراجع الدينار، وهبوط الترقيم السيادي لأدنى مستوياته، وغياب أفق لتوقيع اتفاق مع صندوق النقد.
ويرجع هذا المعارض تدهور الأوضاع إلى سياسة قيس سعيد الذي قال إنه “يعيش في حالة إنكار للواقع المتردي، ويسعى لقذف تونس في مغامرة جديدة من البناء القاعدي، عبر إرساء مجلس للأقاليم للجهات من دون إيلاء الجانب الاقتصادي أي اهتمام”.
وأضاف العجبوني أن “الوضع الاقتصادي تأثر بالوضع السياسي المتأزم نتيجة استحواذ الرئيس قيس سعيد على السلطات بين يديه، واستعماله أجهزة الدولة لملاحقة معارضيه والتحريض عليهم، وتفرده بكتابة الدستور وصياغة نظام سياسي على مقاسه”.
وتابع العجبوني أن القادم “سيكون الأسوأ” في حال لم تتحصل تونس على قرض من صندوق النقد الدولي، مبينا أن الاتحاد الأوروبي بصدد البحث عن مصالحه لتحقيق نوع من الاستقرار بتونس خشية وقوع تدفق كبير عبر قوارب المهاجرين نحو سواحله.
مبالغة من الاتحاد
لكن محسن النابتي القيادي بحزب التيار الشعبي المؤيد لإجراءات الرئيس، يقول إن تصريحات مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي “مبالغ فيها”، مؤكدا أن تونس ليست منهارة وأن وضعها لا يختلف عن الوضع الذي تعيشه دول أوروبا.
ومقارنة بما عاشته دول أوروبية -مثل إيطاليا خلال جائحة كورونا، أو دول أوروبية أخرى تأثرت سلبا بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية- يرى النابتي أن الوضع التونسي “عادي”، وأن تصريحات المسؤول بالاتحاد الأوروبي مجانبة للصواب.
ويتساءل: “لماذا لم يتحدث هذا المسؤول عن انهيار تونس عندما حاول غزوها الإرهابيون؟ لماذا لم نسمع له صوتا عندما وقع فيها اغتيالان سياسيان؟ ولماذا لم يتحدث عن انهيارها عندما أغرقوا تونس بالديون؟ أليس لأن مخططهم كان تفكيك الدولة؟”
ويقر النابتي بصعوبة الوضع الاقتصادي نتيجة تراكمات سابقة وطويلة من الفساد وغياب الإصلاحات الاقتصادية وغياب العدالة الاجتماعية.
ويؤكد أن تونس قادرة على أن تتعافى من الأزمة المالية بتوفر الإرادة والتوجه نحو قوى دولية صاعدة في العالم؛ مثل الصين ودول آسيا، مؤكدا أن شراكة تونس مع الاتحاد الأوروبي “لم تنفعها في شيء سوى تخريب نسيجها الصناعي والاقتصادي”.
صعوبات كبيرة
ومن وجهة نظر الخبير الاقتصادي معز حديدان، فإن حديث مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي حول انهيار تونس “مبالغ فيه”، لكنه يقول للجزيرة نت إن تونس ليست في مأمن من هذا الانهيار إذا لم تبدأ الإصلاحات اللازمة.
ويقول للجزيرة نت إن الاتحاد الأوروبي بصدد القيام بنوع من الابتزاز المبطن لتونس بمساعدتها في الحصول على قرض مع صندوق النقد مقابل الاستجابة لشروطه المتمثلة في قبول أن تكون أرض لجوء للمهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء.
ويتوقع أن تسير تونس في طريق محفوفة بالمخاطر المالية التي ستنتج عنها تداعيات خطيرة قد تؤدي إلى الانفجار الاجتماعي في حال لم تحصل على قروض من البنك الدولي أو صندوق النقد أو الاتحاد الأوروبي، من أجل تمويل موازنتها لعام 2023.
ورغم موافقة صندوق النقد المبدئية على إقراض تونس 1.9 مليار دينار على أقساط طيلة 4 سنوات، يقول حديدان إن الاتفاق بقي “مجمدا” بسبب معارضة الرئيس واتحاد الشغل لشروط صندوق النقد برفع الدعم والتفويت في مؤسسات عمومية.
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان للجزيرة نت إن تونس لا تعيش حاليا في حالة انهيار لأن الانهيار “يعني إفلاس المؤسسات والبنوك وتفاقم البطالة بشكل كبير”، مبينا أنها تعيش بشكل أدق صعوبات اقتصادية ومالية كبيرة جدا.
تأخر الإصلاحات
وأرجع في حديثه للجزيرة نت سبب استفحال الأزمة المالية والاقتصادية في تونس لتأخر الإصلاحات بشكل كبير منذ 2011 جراء عدم الاستقرار السياسي وتعاقب الحكومات وفق منطق المحاصصة الحزبية وإهمال الجانب الاقتصادي مقابل تقاسم السلطة.
وأكد أن عدم حصول تونس على قرض من صندوق النقد سيجعل تونس أمام صعوبات كبيرة في تعبئة مواردها بالعملة الصعبة، وتساءل: “كيف ستقوم بتمويل نفقاتها لسنة 2023؟ وكيف ستسدد ديونها بالعملة الصعبة للعام الحالي والسنوات التالية؟”
وتمر تونس بأزمة سياسية واقتصادية واجتماعية منذ اندلاع الثورة قبل 11 عاما، لكنها اليوم وسط مفترق طرق وانسداد أفق عقب التدابير الاستثنائية التي يحكم بها الرئيس قيس سعيد البلاد، خاصة جراء ارتفاع الأسعار المستمر ونقص المواد الاستهلاكية الأساسية.
وخفضت الحكومة نفقات الدعم الحكومي على المحروقات والمواد الأساسية العام الجاري لخفض عجز الموازنة إلى حدود 7.5 مليارات دينار، ورفعت الحكومة سعر المحروقات العام الماضي 5 مرات، ولن يختلف الأمر خلال العام الجاري، وفق مراقبين.
وتقدر موازنة تونس لعام 2023 بنحو 70 مليار دينار (22.7 مليار دولار). وتمت صياغة الموازنة على فرضية الاقتراض من الخارج بنحو 15 مليار دينار (5 مليارات دولار)، لكن هذا مستبعد -وفق مراقبين- خاصة في ظل عدم حصول اتفاق مع صندوق النقد.