واشنطن- مثلت رعاية الصين لوساطة بين السعودية وإيران -أدت لإصدار إعلان مشترك يمهد لعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما- صفعة لواشنطن التي كانت قد تهيأت لعطلة هادئة بعد أسبوع طويل أكتظ بالعديد من الأحداث المعقدة.
وعبرت ردود فعل الخبراء والمراقبين الأميركيين عن صدمة غير متوقعة، لدرجة استخدام بعضهم عبارات غير دبلوماسية لوصف ما جرى.
وجاءت أنباء الصفقة لتمثل ضربة ثلاثية الأبعاد للبيت الأبيض ومؤسسة الحكم الأميركية، خاصة في ظل علاقات واشنطن المضطربة بأطراف الاتفاق الثلاثة الصين وإيران والسعودية.
أولا: التوتر غير المسبوق مع الصين
شهدت علاقات واشنطن وبكين توترا كبيرا خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة، زاد منه حادث اكتشاف منطاد التجسس الصيني فوق الأراضي الأميركية وإسقاطه بطائرة عسكرية، ومن ثم إعلان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلغاء زيارة لبكين كانت تهدف لإصلاح العلاقات.
يأتي ذلك في ظل بدء جلسات لجنة خاصة في مجلس النواب للنظر في التهديدات الصينية للهيمنة الأميركية حول العالم، وهو ما اعتبرته بكين عاكسا لحالة من الهستيريا ضدها في العاصمة الأميركية، فضلا عن التوتر التقليدي حول تايوان على خلفية تقديم واشنطن دعما سياسيا وعسكريا لها، واستمرار أعضاء الكونغرس في زيارتها، وتوطيد واشنطن علاقاتها بجيران الصين بإنشاء تحالف رباعي مع اليابان وأستراليا والهند، وتحالف ثلاثي مع بريطانيا وأستراليا.
كما عقدت واشنطن اتفاقية أمنية مع الفلبين تُمكن الأسطول الأميركي من استخدام الموانئ الفلبينية، بالإضافة إلى قيام إدارة بايدن بالتضييق على تصدير التكنولوجيا المتقدمة من أشباه الموصلات للصين، كما حظرت التعامل مع عدد من عمالقة التكنولوجيا الصينية كشركة هواوي.
وتعهدت إدارة الرئيس بايدن كذلك بفرض عقوبات على الصين إن صحت تقارير نية بكين إمداد روسيا بأسلحة تدعم بها حربها في أوكرانيا، وأشارت تقديرات الاستخبارات الأميركية إلى نية الرئيس الصيني شي جين بينغ زيارة موسكو ولقاء الرئيس فلاديمير بوتين قريبا.
وأخيرا صدرت تقارير أميركية تشير إلى أن المعامل الصينية هي مصدر فيروس “كوفيد-19” وليس أسواق الحيوانات الحية كما كان يُعتقد على نطاق واسع، ودفع ذلك بالعديد من أعضاء الكونغرس بطلب محاسبة الصين.
ثانيا: تقدم طهران في برنامجها النووي
بعد 6 أشهر من توقف مفاوضات فيينا حول الملف النووي الإيراني بين طهران والدول الكبرى الست، تشير تقديرات أميركية إلى أن إيران زادت من وتيرة العمل في برنامجها النووي، وأجرت بحوثا وأنشطة تطوير تقربها من إنتاج المواد اللازمة لصنع سلاح نووي، وفقا لتصريحات مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية أفريل هينز، أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الثلاثاء الماضي.
من ناحية أخرى، أشار تقرير لوكالة الطاقة الذرية الدولية أنه تم العثور على جزيئات من اليورانيوم المخصب بنسبة 83.7%، أي أقل بقليل من 90% اللازمة لإنتاج قنبلة ذرية، بمصنع فوردو الواقع تحت الأرض. ودفع ذلك بمدير مدير الوكالة رافائيل غروسي لزيارة طهران بحثا عن حل للخلافات العالقة بين الطرفين.
في الوقت ذاته، أنهى وزير الدفاع الأميركي الجنرال لويد أوستن زيارة لإسرائيل هدفت بالأساس للتنسيق وتبادل المعلومات الاستخبارية حول طرق منع إيران من تطوير برنامجها النووي.
كما مثلت حرب أوكرانيا قضية خلافية أخرى بين واشنطن وطهران بعد تزويد إيران لروسيا بمسيرات بدون طيار وهو ما كان له أثر كبير في ساحة القتال، وأدى ذلك لحالة غضب واسعة في واشنطن ودفعها لفرض المزيد من العقوبات على إيران، والتنديد بعلاقاتها العسكرية المتزايدة مع روسيا.
ثالثا: حسابات سعودية إستراتيجية
شهدت الفترة الماضية علاقات فاترة بين الولايات المتحدة والسعودية خلال الفترة الماضية حيث مثل إعلان تحالف “أوبك بلس” في أغسطس/آب الماضي تخفيض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا، أو ما يعادل حوالي 2% من الطلب العالمي، ضربة قوية لواشنطن. واعتبرت دوائر الحكم الأميركية القرار من ناحية بمثابة “صفعة” من الرياض لإدارة الرئيس جو بايدن، ومن ناحية أخرى رأت فيه “انتصارا” للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يريد رفع أسعار النفط لمواصلة تمويل الحرب في أوكرانيا.
ورفضت الرياض الاستجابة لمناشدات أميركية بتأجيل قرار خفض إنتاج النفط لشهر آخر، وجاء الرفض السعودي حتى بعد قيام الرئيس بايدن بزيارة للسعودية ولقائه بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهو ما اعتبره الأميركيون نقطة بداية جديدة لعلاقات إستراتيجية بين البلدين.
وخلال زيارته للسعودية في يوليو/تموز الماضي، أكد بايدن لزعماء الشرق الأوسط أن بلاده لن “تبتعد وتترك فراغا لكي تملأه الصين أو روسيا أو إيران”.. إلا أن سردية بايدن لم تكن إلا تمنيات لا تمس الواقع المتغير بشدة في الشرق الأوسط.