دير الزور- رغم مرور 4 سنوات على هزيمة تنظيم الدولة بمعقله الأخير في بلدة الباغوز أقصى شرقي سوريا، لا تزال آثار الدمار والخراب شاهدة على ضراوة المعركة التي شهدتها البلدة في وقت يحاول الأهالي العودة تدريجيا إلى حياتهم.
في جولة للجزيرة نت في أرجاء البلدة، تظهر آثار الحرب ومخلفات الاشتباكات، وتنتشر بقايا هياكل السيارات المتفحمة والحفر العميقة في الطرقات بفعل القصف بالصواريخ والقذائف، لتتجاوز نسبة الدمار في البلدة ـوفقا لمصادر محليةـ نحو 70% من مباني البلدة الواقعة في ريف محافظة دير الزور السورية، وسط غياب الجهود المحلية لإعادة الإعمار.
وقبل سنوات لم يكن العالم قد سمع من قبل باسم بلدة الباغوز، لكن تحولها للجيب الأخير لفلول مقاتلي تنظيم الدولة جعلها محط أنظار وكالات الأنباء والصحف العالمية والعربية، عندما شهدت إعلان القضاء على التنظيم بسوريا في مارس/آذار 2019 على يد التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.
تركة ثقيلة
واليوم، يكافح سكان هذه البلدة للبقاء على قيد الحياة والتخلص من تركة التنظيم الثقيلة، في وقت تواجه سوريا التي أنهكتها الحرب أزمات مركبة، وشبه انقطاع للكهرباء والماء.
ومع أن الحرب وضعت أوزارها هنا منذ 4 أعوام، فإن مخلفات المعارك والوضع المعيشي الصعب يؤرق الأهالي ويمنعهم من استثمار أراضيهم الزراعية المترامية على أطراف البلدة، في وقت يشتكي المزارعون من شح الدعم وضعف الإمكانيات المحلية.
المزارع خالد الوادي، يستبشر بموسم زراعي جيد هذا العام مستدلاً على هطول الأمطار الكثيفة في المنطقة، لكنه يؤكد أن المزارعين في البلدة يعانون من نقص كبير في الأسمدة والبذار والمعدات الزراعية الأساسية.
ودعا الوادي، في حديث للجزيرة نت، المنظمات الإنسانية المعنية في دعم المزارعين، إلى تأمين البذار الكافية والأسمدة اللازمة للمحاصيل، لافتا إلى أهمية رفع الأنقاض ومخلفات الحرب من الأراضي الزراعية التي تمنع استثمار كامل المساحات.
وأوضح الوادي أن معظم المزارعين خسروا بساتينهم وحقولهم الزراعية وتكبدوا خسائر مالية فادحة خلال فترة حرب التحالف على تنظيم الدولة، ويحتاجون اليوم كل الدعم.
وتخضع الباغوز إلى سلطة الإدارة الذاتية الكردية التي لا تحظى بقبول اجتماعي من الأهالي، وفق الكاتب والمحلل السياسي السوري فراس علاوي، مشيرا إلى أن تلك الإدارة لم تقم بأي عمليات إعادة إعمار أو تأهيل المباني المدمرة في البلدة.
ويعتقد علاوي أن أسباب تهميش البلدة قد يعود إلى سببين الأول الرغبة بتركها كشاهد على آخر المعارك بين التحالف الدولي وتنظيم الدولة وأن تبقى آثار الحرب موجودة، والثاني موقعها البعيد على الحدود السورية العراقية الذي أبعد الخدمات عنها.
مخلفات الحرب
مع احتدام المعارك في البلدة في مارس/آذار 2019، لجأ عناصر التنظيم المتحصنين فيها إلى تفخيخ وتلغيم عشرات المنازل والأراضي الزراعية والطرقات الرئيسية والفرعية، بهدف إعاقة تقدم قوات “سوريا الديمقراطية الكردية” المدعومة من قوات التحالف الدولي، وفي أعقاب الهزيمة بقيت هذه الألغام تركة ثقيلة تحصد أرواح عشرات العائدين من السكان إلى بلدتهم المحررة، فيما فتكت مخلفات الحرب بأطراف البعض وحوّلتهم إلى حالات إعاقة جسدية.
وتقدر أعداد الضحايا الذين فقدوا أرواحهم في البلدة جراء انفجار الألغام ومخلفات الحرب بنحو 36 شخصا، فيما يعاني أكثر من 70 شخصًا من حالات فقدان الأطراف.
ولم تنس أم حسين كيف تحولت فرحة العودة للديار إلى حالة من الحزن والأسى، عندما انفجر لغم بابنها الشاب أثناء تنظيفه منزل الأسرة من دمار الحرب، ما تسبب ببتر يده اليمنى.
وتقول أم حسين، في حديث للجزيرة نت، إن ابنها تحول منذ ذلك الوقت إلى معاق لا يستطيع العمل وكسب الرزق، مناشدة المنظمات الإنسانية إلى النظر في حالة ابنها وتقديم الدعم والعون له.
وتشير الخمسينية السورية إلى عدم حضور أي لجان مختصة دولية أو محلية لإزالة تلك الألغام التي تحولت إلى مصدر خوف وقلق مستمر للسكان.
مقابر جماعية
لا تمثل مخلفات الحرب الإرث الوحيد المظلم للتنظيم في البلدة فحسب، إذ يوجد في البلدة الصغيرة 5 مقابر جماعية تتوزع داخلها ومحيطها، دفن فيها التنظيم العديد من قتلاه العسكريين وآخرين مدنيين قضوا في القصف والمعارك التي شهدتها البلدة أو أعدموا على يد التنظيم.
ولا يعرف عدد دقيق لأعداد أو هوية المدفونين في تلك المقابر، وسط تضارب في تقديرها من المئات إلى الآلاف من الضحايا، فيما يرجح أن تعود إلى جنسيات مختلفة من جميع دول العالم.
رئيس لجنة الطب الشرعية في دير الزور الدكتور مشاري الحزوم، أكد أن فريقا مختصا بقيادته قام بجمع نحو 456 جثة ملقاة على سطح الأرض داخل الباغوز مع نهاية العمليات العسكرية في مارس/آذار 2019 وتوثيق معلومات أصحابها، قبل أن يتم دفنها في مقبرة خاصة من دون شواهد.
وعن المقابر الجماعية الخمس، قال الحزوم، في حديث للجزيرة نت، إن الفرق الطبية قامت بفتح إحداها بناء على مطالب الأهالي، حيث تم اكتشاف 3 جثث فوق بعضها داخل القبر الواحد.
وأوضح مشاري، أن بعض الجثامين كانت مقيدة بسلاسل حديدية، وتم قتل أصحابها رميًا بالرصاص عبر الإعدامات الميدانية، حيث كانت ترتدي الملابس الخاصة بعمليات الإعدام التي كان ينفذها التنظيم.
ولفت الطبيب السوري إلى أن غالبية الجثث كانت لجنسيات آسيوية ومن دول الاتحاد السوفياتي السابق وآخرين من الجنسية العراقية.