بدون طعام ووسائل تقي من البرد وبلا هواتف محمولة لتحديد الموقع تصبح فرص النجاة ضئيلة في غابة بيالويزا البولندية تماما مثلما تكون على زورق في عاصفة بالبحر، ومع ذلك يلقي حرس الحدود البولنديون بهؤلاء الأشخاص -الذين قدموا من سوريا أو أفغانستان أو وسط أفريقيا طلبا للعمل والعيش بأمان في أوروبا- في جوف الليل وسط هذه الغابة البدائية دون مساعدة أو إمكانية طلبها.
وتقول صحيفة “لوتان” (Le Temps) السويسرية إنه لا غرق في الغابة، ولكن الموت قد يأتي بسبب التجمد على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا، حيث تنتصب 186 كيلومترا من الفولاذ والأسلاك الشائكة في وجه القادمين إلى أوروبا من هذا الطريق.
وحتى لو عبروا بالسلالم في درجات حرارة شديدة البرودة فإنهم سيقعون في أراضي بولندا التي تتبنى أساليب غير إنسانية، وتقوم بالإعادة القسرية للقادمين بعد الحرص على تكسير هواتفهم المحمولة رغم أنهم مهندسون وأطباء وآباء وأمهات، لكنهم ليسوا أوكرانيين كما تقول ريني غريمو في تقريرها للصحيفة، ولو كانوا كذلك لعرضت عليهم الإقامة وفرص العمل.
وقد لخصت الصحيفة ما جمعته المصورة البولندية هنا جارزابيك من القصص المأساوية لهؤلاء الأشخاص بعد أن تابعت بعدستها وفي بلدها عمل المتطوعين الذين يحاولون مساعدة ضحايا هذا العنف وسط غابة لم تمسها يد بشرية منذ آخر عصر جليدي، وذلك بجلب الأحذية المقاومة للماء والملابس الجافة الدافئة والطعام والبطانيات لهؤلاء الغرباء المحاصرين بين سلطات بيلاروسيا وبولندا اللتين تتبادلان الاتهامات بالمسؤولية عن الوضع هناك.
وقد جمعت المصورة شهادات متطوعين يعانون من ضغوط ما بعد الصدمة بعد أن شاهدوا الكثير من الأعمال الوحشية، وشبهت ما يحدث هناك بما يحدث على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، حيث تتواصل لعبة الحياة والموت.
وكانت موجة من اللاجئين قد تدفقت عبر بيلاروسيا إلى الحدود البولندية أواخر عام 2021 سعيا إلى دخول الاتحاد الأوروبي عبر بولندا، وقد واجهتهم وارسو بقمع شديد وبقي بعضهم في مخيمات في الجانب البيلاروسي من الحدود في ظروف قاسية، خصوصا بعد أن شيدت بولندا حائطا بارتفاع كبير ومدعم بالأسلاك الشائكة على طول حدودها مع بيلاروسيا.