القدس المحتلة- مستغلا اتساع دائرة الاحتجاجات في إسرائيل، أعلن وزير الأمن القومي، اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، اتفاقه مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على تأجيل التعديلات القضائية، مقابل زيادة ميزانية وزارة الأمن القومي، والتصديق على إنشاء ما يسمى “الحرس الوطني”.
وأتى الإعلان عن إقامة “الحرس الوطني” بعد أن هدد بن غفير بالانسحاب من الحكومة وإسقاطها، حيث استغل الاحتجاجات المتصاعدة بإسرائيل ضد التعديلات بالجهاز القضائي في ابتزاز نتنياهو، حيث أظهرت استطلاعات الرأي تراجع شعبية الأخير واستبعاد إمكانية أن يشكل الحكومة في حال أجريت انتخابات جديدة للكنيست.
وتبلورت فكرة “الحرس الوطني” -في العقلية الإسرائيلية- بعد اندلاع “هبة الكرامة” في مايو/أيار 2021، وذلك بعد الإضرابات داخل إسرائيل والمواجهات التي اندلعت مع فلسطينيي 48 الذين خرجوا للدفاع عن أنفسهم عقب إقدام عصابات المستوطنين على تنفيذ اعتداءات واسعة على البلدات الفلسطينية بالداخل، وعلى المدن الساحلية المختلطة.
ويندرج “الحرس الوطني” ضمن توجه الحكومة “لتشكيل منظومة شاملة لإعادة الأمن الشخصي في البلدات الإسرائيلية والشعور بالأمن والأمان لليهود، وجمع السلاح غير القانوني، وترخيص حمل السلاح لليهود”.
وبموجب الخطة، فإن فرق “الحرس الوطني”، التي ستكون تحت قيادة وزير الأمن القومي، ستتشكل من متطوعين وعناصر أمن وجنود سابقين، سيكون جل نشاطها وعملها مواجهة الفلسطينيين في القدس المحتلة وداخل أراضي الـ 48، والمدن الساحلية المختلطة بالعرب واليهود، وذلك لقمع وإخماد أي هبة شعبية قد تنطلق، مثل “هبة الكرامة” التي حدثت في مايو/أيار 2021.
إجماع إسرائيلي
تحظى فكرة إقامة “الحرس الوطني” والمليشيات المسلحة بشبه إجماع إسرائيلي، حيث لا تقتصر الخطة على أجندة وفكر بن غفير وتحالف الصهيونية الدينية برئاسة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
وسبق لحزب الليكود وزعيمه نتنياهو -عندما كان في المعارضة- بلورة خطة لإقامة مليشيات مسلحة تعمل داخل الخط الأخضر، وذلك بالتوازي مع قوات الأمن والشرطة داخل إسرائيل.
كما صادقت حكومة بينيت، في يونيو/حزيران 2022، على خطة “الحرس الإسرائيلي” كمليشيا مساندة لقوات حرس الحدود وذراع للشرطة، وهي الخطة التي حظيت في حينه بموافقة وزير الأمن الداخلي السابق عومر بار ليف، وبدعم المفتش العام للشرطة كوبي شبتاي، لكنها لم تخرج لحيز التنفيذ بسبب التوجه إلى انتخابات مبكرة.
ووضع حجر الأساس لـ “الحرس الوطني” خلال هبة الكرامة، فمع اشتداد المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين داخل اللد، اقتحمت المدنية مليشيا مسلحة من مستوطني الضفة الغربية بهدف قمع الفلسطينيين وردعهم، حيث استشهد موسى حسونة (31 عاما) برصاص عصابات المستوطنين.
وذات الدور لعبته مليشيا “الحرس الجديد” التي نشطت في منطقة النقب على غرار العصابات الصهيونية، وذلك لتوفير الدعم لما يسمى “الصندوق القومي اليهودي” لوضع اليد على أراضي بدو فلسطين في النقب وفرض ما يسمى “السيادة والنظام”.
ولفرض سياسة الأمر الواقع، بادر أحد أعضاء حزب “عظمة يهودية” -الذي يترأسه بن غفير في مارس/آذار 2022- إلى تأسيس مليشيا مدنية مسلحة في منطقة بئر السبع اسم “مليشيا بارئيل” التي تمتلك معدات وأسلحة ودوريات خاصة بها، وتفتح أبوابها للمتطوعين اليهود لفرض الأمن والأمان بالنقب.
مليشيا مسلحة
تستند خطة “الحرس الوطني” -التي أعدها بن غفير- إلى خطة أعدها نتنياهو بنفسه عندما كان رئيسا للمعارضة خلال ولاية حكومة بينيت، بالمشورة والتنسيق مع العميد المتقاعد غال هيرش، وتقضي بإنشاء مليشيات مسلحة من اليهود المدنيين والأمنيين والعسكريين السابقين، حيث ستنشط بشكل مستقل إلى جانب قوات حرس الحدود.
وحيال ذلك، دأب بن غفير على إدراج بند “الحرس الوطني” في الاتفاقية الائتلافية لتشكيل الحكومة الموقع بين حزب الليكود وحزب “عظمة يهودية” الذي يترأسه، بيد أن نتنياهو ماطل وامتنع عن المصادقة على الخطة في الحكومة.
وأتت مماطلة نتنياهو بالمصادقة على خطة “الحرس الوطني” بقيادة بن غفير، بسبب المعارضة التي تبديها أوساط واسعة من الأجهزة الأمنية والشرطة وضباط الاحتياط، لتشكيل مليشيات مسلحة خاضعة بشكل مباشر إلى بن غفير وصلاحياته، حيث تم وصف هذه المليشيات بـ “الجيش الخاص ببن غفير”.
ووفقا لاتفاق الائتلاف الموقع بين الليكود وحزب بن غفير، ستتلقى وزارة الأمن ميزانية إضافية قدرها 45 مليار شيكل (13 مليار دولار) على مدى 7 سنوات وذلك من أجل تمويل فرق “الحرس الوطني” التي أطلقت تحت ذريعة إعادة الأمن والأمان والسلامة الشخصية إلى شوارع إسرائيل.
وتبلغ التكلفة المالية الأولية لإطلاق خطة “الحرس الوطني” نحو 111 مليون شيكل (32 مليون دولار) وتحول كميزانية لمرة واحدة، إضافة إلى 61 مليون شيكل (17.4 مليون دولار) ميزانية سنوية، إلى جانب زيادة معاشات عناصر الشرطة، ورفع عدد العناصر وتجنيد 4 آلاف ضابط شرطة جديد.
وتقضي خطة بن غفير إلى إعادة هيكلة “حرس الحدود” وإقامة مليشيات مسلحة تحت إمرته وتعتمد بالأساس على المدنيين، لتعمل بشكل مستقل عن الشرطة وتكون خاضعة للوزير بشكل مباشر، وهو من يشرف على توزيع المهام والصلاحيات، والتعيينات، وإعطاء الأوامر.
قمع الاحتجاجات
تهدف خطة بن غفير إلى أن تتحول وحدات حرس الحدود لفيلق يعطي الرد السريع في حالة الطوارئ بإسرائيل، حيث يتم تجنيد آلاف العناصر من المدنيين المدربين على السلاح من وحدات “الحرس الوطني” مما يضاعف تقريبا من قوة حرس الحدود.
وبحسب الخطة، سيتم فصل قوات حرس الحدود عن جهاز الشرطة، لتدرج ضمن “الحرس الوطني” وتحويلها إلى جهاز مستقل يتبع مباشرة إلى وزير الأمن القومي، وليس إلى المفتش العام للشرطة كما هو معتمد حاليا.
وتستند وحدات “الحرس الوطني” إلى عدة مركبات، أبرزها القوة النظامية لحرس الحدود الذي يضم اليوم 8 آلاف مقاتل، وكذلك 46 سريّة احتياطية تضم 5 آلاف مقاتل، و300 شرطي متطوع.
ووفقا للخطة، سيستجيب “الحرس الوطني” ليس فقط لقمع الاحتجاجات والمظاهرات، إنما سيعمل على المساعدة على مستوى الجبهة الداخلية في حالات الطوارئ، مثل هزة أرضية، كوراث طبيعية، سقوط صواريخ.
وسيوفر “الحرس الوطني” الردع على المستوى العام، في مواجهة الذين يخططون للاضطرابات العنيفة والإخلال بالنظام العام، كما سيمكن الشرطة من التركيز على مهامها الروتينية التقليدية، والتي كثيرا ما تتعطل بسبب تكرار حوادث الشغب وحالات الطوارئ.