غزة- أمام الشاب الفلسطيني فراس دهليز 34 عاما حتى يستطيع التسجيل وفقا للشروط الإسرائيلية للصلاة في المسجد الأقصى بعد أن حددت إسرائيل إمكانية زيارة سكان قطاع غزة إلى القدس بشرط أن يفوق عمر المسجل 50 عاما للنساء و55 للرجال.
فرحة دهليز بإمكانية زيارة الأقصى لم تكتمل، وتحولت إلى خيبة أمل بعدما علم بتفاصيل القرار الإسرائيلي، فالحديث يدور فقط حول السماح لـ800 شخص من أصل أكثر من مليوني نسمة هم عدد سكان القطاع بالوصول إلى القدس طوال شهر رمضان، على أن يكونوا من كبار السن.
عندما علم الشاب الفلسطيني بقرار فتح التسجيل لزيارة الأقصى والصلاة فيه حاول التسجيل برفقة والدته لكنه فوجئ بأن الشروط لا تنطبق عليهما كونهما أصغر من السن المطلوب.
ويقول دهليز (21 عاما) إنه لم يزر القدس مطلقا في حياته، مضيفا “في عائلتي البالغ عددها نحو 100 شخص هناك اثنان أو 3 فقط تمكنوا من الصلاة في الأقصى، وغالبا لم يتمكنوا من الصلاة فيه سوى مرة أو مرتين فقط طوال حياتهم”.
إغلاق باب التسجيل
أغلق باب التسجيل لزيارة القدس بعد يوم واحد فقط من فتحه، وبررت الهيئة العامة للشؤون المدنية (تتبع الحكومة في رام الله، وهي جهة الاتصال مع إسرائيل) في بيان أصدرته الأربعاء الماضي القرار بـ”تزايد الأعداد المسجلة للصلاة إلى عشرات أضعاف العدد المطلوب”.
وقالت وسائل إعلام محلية فلسطينية نقلا عن مصادر حكومية إن أعداد المسجلين في يوم واحد وصلت إلى نحو 10 آلاف شخص، في حين أن المتاح فقط هو 800.
ومنذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في ديسمبر/كانون الأول 1987 تقيد إسرائيل وصول سكان قطاع غزة إلى مدينة القدس، وتعززت هذه القيود بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000.
وتحظى قيود الاحتلال بدعم قضائي إسرائيلي، حيث رفضت المحكمة العليا في الثامن من أغسطس/آب 2012 البحث في طلبات دخول سكان غزة المسلمين القدس لأداء الصلاة.
وآنذاك، قدمت جمعية “جيشاه- مسلك” الحقوقية الإسرائيلية المختصة بالدفاع عن “حق الحركة” و6 نساء مسلمات من غزة التماسا إلى المحكمة للسماح لهن بالصلاة في المسجد الأقصى خلال الأعياد.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2012 تقدم المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بشكوى إلى مقرر الأمم المتحدة الخاص بحرية الدين والمعتقد قال فيها إن “الاحتلال الإسرائيلي يمارس سياسة عنصرية تمنع مسلمي قطاع غزة من ممارسة حقهم في حرية العبادة بزيارة المسجد الأقصى”.
وعقب نكبة فلسطين عام 1948 قُيدت حركة الفلسطينيين في حرية العبادة بالوصول إلى المسجد الأقصى، وازدادت الأمور سوءا بعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967.
الأيام الجميلة
وفي هذا الصدد، تستذكر المسنة الفلسطينية وداد القيشاوي البالغة من العمر 83 عاما “الأيام الجميلة” التي كانت تقضيها في زياراتها المتكررة للمسجد الأقصى.
وتقول القيشاوي القاطنة حاليا في مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة للجزيرة نت إن الفلسطينيين المسلمين من كافة المدن والقرى كانوا يحرصون خلال شهر رمضان على الصلاة والاعتكاف في المسجد الأقصى.
وتضيف “أيام البلاد، قبل النكبة كان أبي يأخذ جدتي من (قرية) القبيبة (قضاء الرملة) يوم الجمعة اليتيمة (آخر جمعة في رمضان) ويصليان في الأقصى، فهو مكان مقدس تهوي إليه الأنفس وفيه تشعر بمشاعر جميلة جدا لا يمكن أن تشعرها في مكان آخر، خشوع.. تأملات.. روحانيات”.
وتشير القيشاوي إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يحرمها منذ سنوات طويلة من الوصول إلى المسجد الأقصى للصلاة فيه.
بدوره، يشعر وسيم سكيك -الذي تمكن من زيارة “الأقصى” مرة واحدة- أنه “محظوظ” كونه حظي بدخوله والصلاة فيه، وحينها لم يحصل سكيك البالغ من العمر 44 عاما على تصريح إسرائيلي، لكنه تسلل إلى المسجد حينما زار الضفة الغربية عام 1999.
ويقول سكيك للجزيرة نت “حصلت على تصريح لزيارة الضفة، والقدس معزولة عنها، وتسللت من مدينة بيت لحم إلى القدس، وصليت في الأقصى، وكان هذا في شهر رمضان، ثم انسحبت بسرعة خشية القبض علي، حينها شعرت أني انتزعت حقي في زيارة المسجد رغما عن إسرائيل”.
ويشير إلى أن والديه لم يتمكنا طوال الـ23 عاما الأخيرة من زيارة القدس، كما أن أشقاءه الثمانية لم يسبق أن زاروا المسجد الأقصى أو القدس.
خرق للقانون الدولي
بدوره، يرى مدير وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان فضل المزيني أن القرار الإسرائيلي الأخير بالسماح لنحو 800 فقط من كبار السن بزيارة “الأقصى” يمثل استمرارا في حرمان سكان غزة من حق الوصول إلى أماكن العبادة.
ويضيف المزيني للجزيرة نت أن “السماح لأعداد قليلة من المصلين من غزة بالوصول إلى القدس يعتبر تزييفا للواقع ومحاولة خداع للمجتمع الدولي”.
ويشير إلى أن إسرائيل تسمح في المقابل لليهود باقتحام المسجد الأقصى، مضيفا أن “حرية العبادة حق يكفله القانون الدولي لحقوق الإنسان، ويجب أن يكون متاحا لجميع الأفراد وليس لعدد معين”.
ويتابع المزيني “المجتمع الدولي ما زال متساهلا مع إسرائيل، وعدم وجود مساءلة للانتهاكات وإفلات إسرائيل من العقاب يشجعانها على التمادي في انتهاكاتها”، موضحا أن القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة يحظران منع الوصول إلى أماكن العبادة ويعتبران الحد من حرية حركة الأفراد جريمة.