فيما كان يفترض أن يستمع المحققون الأوروبيون الموجودون في بيروت منذ يوم الاثنين الماضي، أمس إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في الاستنابة القضائية الصادرة عن القضاء الأوروبي للاشتباه بضلوعه وشقيقه رجا في قضايا اختلاس أموال عامة، غاب الرجل عن الجلسة، معتبراً أن استدعاءه إلى جلسة تحقيق أوروبية هي انتهاك للسيادة اللبنانية.
لكن تطوراً قضائيا آخر طرأ أمس أيضا، وشغل اللبنانيين. إذ تقدّمت الدولة اللبنانية، ممثلةً برئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة اسكندر، بادعاء شخصي في حق كل من حاكم مصرف لبنان وشقيقه رجا وماريان الحويك وذلك تبعاً لادعاء النيابة العامة الاستئنافية في بيروت.
وطلبت توقيفهم وحجز أملاكهم العقارية وتجميد حساباتهم المصرفية وحسابات أزواجهم وأولادهم القاصرين لمنعهم من التصرّف بها حفاظاً على حقوق الدولة اللبنانية.
فما الذي حصل؟
لتنتشر التساؤلات كالنار في الهشيم بين اللبنانيين، حول هذا الإجراء.
في حين أوضحت القاضية هيلانة إسكندر لـ”العربية.نت” أن “الادّعاء على سلامة لا علاقة له بالاستنابة القضائية الأوروبية”، لافتة إلى أنه “عندما تنتهي جلسات الاستماع إليه من قبل المحققين الأوروبيين، يُحدد قاضي التحقيق موعداً لجلسة الاستماع إليه في قضية الادّعاء عليه من قبل النيابة العامة التمييزية”.
كما أوضحت أنه “كان من المُفترض أن تّدعي على حاكم مصرف لبنان وشقيقه ومساعدته قبل 15 مارس/آذار الحالي، لكن وصول الوفد الأوروبي إلى لبنان وطلبه الاستماع إليه في هذا الموعد دفعها إلى إرجاء الادّعاء إلى يوم أمس”.
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (رويترز)
الدولة متضررة
ولفتت إلى أن “النيابة العامة التمييزية أجرت تحقيقات بواسطة المحامي العام التمييزي القاضي جان طنّوس بشأن حاكم مصرف لبنان وشقيقه ومساعدته، وفي ختامها رفعت تقريراً طلبت فيه الادّعاء عليهم، وبما أن الدولة اللبنانية متضرّرة من جرائم الرشوة والتزوير واستعمال المزوّر وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي التي وردت في الادّعاء، طلبت الحجز على أموالهم وممتلكاتهم إلى حين صدور القرار الظني”.
كما أشارت القاضية إسكندر إلى “أنها ستتطلّع على ملف التحقيقات الأوروبية بشأن سلامة كي تستفيد منه في قضية الادّعاء عليه باسم الدولة اللبنانية ضده”. وأكدت “أنها تقوم بواجباتها كقاضية، أما كفّ يد حاكم مصرف لبنان عن العمل إلى حين انتهاء التحقيقات فيعود إلى الحكومة”.
ومع تغيّب حاكم مصرف لبنان عن جلسة الأمس بعد أن قدّم أحد وكلائه القانونيين مذكرة توضيحية، اعتبر فيها أن استدعاءه إلى جلسة تحقيق أوروبية هي انتهاك للسيادة اللبنانية، يُفترض أن يحضر شخصياً جلسة اليوم الخميس بعدما رفضت النيابة العامة التمييزيّة مذكّرة التوضيح.
شعارات مناهضة لسياسة رياض سلامة النقدية في لبنان (أرشيفية- فرانس برس)
وفي الإطار، أكد مصدر قضائي رفيع لـ”العربية.نت” “أن القضاء اللبناني يُنفّذ استنابة قضائية أوروبية بموجب المعاهدة الدولية لمكافحة الفساد التي وقّع عليها لبنان”. وأوضح “أن القضاء سيستمع إلى حاكم مصرف لبنان بحضور محققين أوروبيين ليس كمُدّعى عليه وإنما في إطار “جمع المعلومات” تماماً كما ورد في الاستنابة الأوروبية”.
تدابير أوروبية
إلى ذلك، أشار المصدر القضائي إلى “أنه في حال تغيّب سلامة عن جلسة اليوم، فإنه يعود للمحققين الأوروبيين وليس القضاء اللبناني اتّخاذ التدابير القانونية المناسبة”.
وتُعقد جلسة الاستماع إلى حاكم مصرف لبنان بحضور قاضٍ فرنسي وممثل عن الدولة الألمانية، وسيطرح قاضي التحقيق الأوّل في بيروت القاضي شربل أبو سمرا على سلامة نحو مئة سؤال أودعها لديه المحققون الأوروبيون.
كفّ يد سلامة
تأتي تلك التطورات القضائية فيما تتصاعد الأسئلة في لبنان حول أسباب عدم كفّ يد سلامة عن الوظيفة المُناط بها ريثما يتم الانتهاء من تحقيقات النيابة العامة التمييزية والأوروبية أيضا.
إلا أن رئيس مؤسسة جوستيسيا لحقوق الإنسان الدكتور بول مرقص أوضح لـ”العربية.نت” “أن قانون النقد والتسليف لا يُجيز إقالة الحاكم في سياق قضائي، إلا إذا صدر حكم بحقه ويكون ذلك في مطلق الأحوال بقرار ثلثي عدد الأعضاء الذين يؤلّفون الحكومة وفق المادة ٦٥ من الدستور الأمر المتعذر راهناً إلا إذا اعتبرت الحكومة أن وضعية الحاكم الراهنة تستدعي هذه الخطوة بسبب مخاطر السمعة المتزايدة ومصلحة الدولة العليا مع احتمالات الطعن بها من قبله أمام مجلس شورى الدولة”.
أما عن مسار التحقيق الأوروبي، فأوضح مرقص “أنه في المبدأ القانوني لا شيء يمنع القضاة الأوروبيين من المضي في تحقيقاتهم حتى بلوغ مرحلة إصدار المذكرات والأحكام حتى لو توقف لبنان عن التعاون وأراد تفعيل الفقرة ٢٥ من المادة ٤٦ من اتفاقية مكافحة الفساد التي تُبيح له استئخار التعاون إلى حين انتهاء التحقيق اللبناني الأمر الذي لا أراه في المدى المنظور”.