لم تكن صدفة أن يطلق مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي على العام الجديد، اسم عام “كبح التضخّم، نموّ الإنتاج”، وذلك في الكلمة التي وجهها بمناسبة حلول العام 1402 هجري شمسي، وفيها وجه التهاني بحلول عيد النوروز للشعب الإيراني.
في النداء الذي وجهه خامنئي، ورد ذكر كلمة “تضخم” نحو 8 مرات، ما يعني أن هذه المشكلة باتت تؤرق القيادة الإيرانية، ولذا فإنها تسعى للعمل على حلها، لإدراك مرشد الثورة أن الأمن الاقتصادي بوابة رئيسة لاستقرار المجتمع، ومن دونه ستستمر الاضطرابات والإضرابات، وستخرج مجدداً المسيرات المتبرمة بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها قطاعات واسعة من الإيرانيين.
الاقتصاد أولاً!
خامنئي وفي نداء يوم “النيروز”، أشار بوضوح إلى أن “أهمّ قضيّة مطروحة أمام الشعب في 1401 كانت اقتصاد البلاد، الذي يرتبط مباشرة بمعيشة الناس”.
إذن، لم تكن بالنسبة للزعيم الذي يدير توازنات سياسية وأمنية ودينية معقدة في إيران، لم تكن بالنسبة له مسألة الحجاب، أو معدل التدين بين الشباب، أو الترويج لقيمِ الثورة الإسلامية، هي القضايا الرئيسة، بل جاء “الاقتصاد” أولاً وقبل كل شيء!
الاقتصاد إذا أصابته الأزمات، فإن الشعب الإيراني سيتأثر بأكمله، سواء الموالون لـ”ولاية الفقيه” أو المناوئون لها. وهو الأمر الذي سيؤدي إلى حالٍ من التبرم، تجعل حتى أنصار النظام يوجهون نقدهم لأداء الحكومة، ويدفعهم ذلك شيئا فشيئاً للتخلي عن التأييد المطلق سواء لمرشد الثورة أو الخط السياسي الذي يمثله رئيس الجمهورية الحالي إبراهيم رئيسي، وهو أمرٌ حاضرٌ على طاولة المرشد خامنئي، ويوليه أهمية كبرى، لأنه لا يريد للقاعدة الصلبة للنظام أن تهتز أكثر، أو تتعرض لامتحانات جديدة، أقسى مما تعرضت له في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد مقتل الشابة مهسا أميني، سبتمبر 2022، وما أثارته الحادثة من امتعاض حتى بين أبناء الثورة أنفسهم.
من الشارع الإيراني
معاناة الفقراء!
إن من أكثر المتضررين من الوضع الاقتصادي، هم الطبقة المتوسطة والفقيرة، وجزء أساسي منها يمثل خزاناً لمؤسسات الدولة وقواها الأمنية والعسكرية والثورية. ولذا، فإن المرشد خامنئي أشار بوضوح شديد في كلمته إلى المعضلات الكبيرة التي تواجهها هذه الطبقات، وسماها بـ”المرارات”، قائلاً “تمحورت المرارات أساساً حول التضخّم وغلاء المعيشة، وهو أمرٌ مريرٌ حقّاً، خاصة الغلاء في أسعار السلع الغذائيّة والمستلزمات الأساسية للعيش، فعندما ترتفع أسعار الأطعمة والمواد الأساسيّة للعيش، يكون الثّقل الأكبر على كاهل الطبقات الأكثر فقراً في المجتمع، لأن الأطعمة والموادّ الأساسيّة والضروريّة للعيش تشكّل الحصّة الكبرى في السلّة الغذائيّة لأُسَرِهم”.
هذه الأعباء الاقتصادية جعلت العائلات الإيرانية تتحمل “النسبة الكبرى من الضغوط، وهذا كان من المرارات”، كما يقول خامنئي، مضيفاً “أعتقد أنّه ضمن أبرز القضايا الاقتصاديّة لهذه البلاد، كانت هذه النقطة الأهمّ والأبرز، وقد كانت مريرة”.
إذن، هنالك حديث صريح من مرشد الثورة حول الأوضاع الاقتصادية، وإشارة واضحة جداً لما سببته من “مرارات” للشعب، ولذا فهو ركز في “النداء” على ملفين مهمين برأيه: كبح جماح التضخم، ونمو الإنتاج. لأن كلا الأمرين مرتبطان ببعضهما بعضا، ويؤثران سلباً وإيجاباً على الأداء.
كبح التضخم!
في كلمته بمناسبة “عيد النيروز” شدد مرشد الثورة علي خامنئي، على أنه “لا بدّ للجميع أن يلتفتوا إلى هاتين النقطتين الرئيسيّتين: كبح التضخّم في الدرجة الأولى، أي أن يكبحوا التضخّم فعلاً ويقلّصوه قدر الإمكان، وأن يجعلوا قضيّة الإنتاج تزداد تقدّماً. عليه، صار [شعار العام] كبح التضخّم ونمو الإنتاج”.
هي مهمة صعبة أمام حكومة إبراهيم رئيسي، خصوصاً مع بقاء العقوبات الأميركية المفروضة على مجموعة من الشركات الإيرانية والنظام المصرفي، وعدم قدرة الإيرانيين على الحصول على مليارات الدولارات المجمدة في الخارج، نتيجة عقوبات فرضت بسبب سلوك “الحرس الثوري” في العمليات الخارجية، وهو السلوك الذي صُنف بوصفه “عدوانياً” و”إرهابياً”، وألقى بظلاله على شبكة المصالح الاقتصادية الإيرانية في الخارج، وإن سعت إيران للاتفاف على العقوبات عبر اللجوء إلى “السوق السوداء” أو “الوسطاء”، كما العلاقة التجارية مع دول كالصين وروسيا.
إذن، قد يكون “الاقتصاد” هو أحد المفاتيح الرئيسة، وكلمة السر التي دفعت القيادة الإيرانية لمراجعة سياساتها الخارجية، والسعي إلى بناء علاقات دبلوماسية حسنةٍ مع السعودية ودول الجوار الخليجي والعربي، وهو الأمر إذا أحسنت إيران إدارته بشكل جيد، وتخلت عن “الخطاب الثوري” و”التدخل في الشؤون الداخلية” لدول الجوار، سيساعدها ذلك كثيراً على جذب الاستثمارات، ورفع جزء من العقوبات المفروضة عليها، وهو ما سينعكس إيجاباً على الاقتصاد الإيراني.