أنقرة- على الرغم من تنافس 4 مرشحين في انتخابات الرئاسة التركية المقررة يوم 14 مايو/أيار المقبل، فإنه من المتوقع انحصار المنافسة بين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، وزعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو.
وهناك مرشحان آخران، وهما زعيم حزب البلد محرم إنجه المنافس في الانتخابات السابقة، إلى جانب سنان أوغان من تحالف الأجداد، ويتطلب الفوز بالانتخابات الحصول على 50%+1 من الأصوات.
ويتصدر المشهد السياسي تحالفان رئيسيان، أولهما “تحالف الجمهور” الحاكم بقيادة أردوغان، ويضم بجانب حزب العدالة والتنمية أحزاب: الحركة القومية، وانضم حديثا حزب “هدى بار” الكردي، وحزب “الرفاه الجديد” بزعامة فاتح أربكان نجل الزعيم التاريخي نجم الدين أربكان، وحزب الاتحاد الكبير.
أما التحالف الثاني، فهو “تحالف الأمة” المعروف بـ”الطاولة السداسية” بقيادة كليجدار أوغلو، ويضم بجانب حزب الشعب الجمهوري، أحزاب: الجيد والسعادة والمستقبل والديمقراطية والتقدم بالإضافة إلى الحزب الديمقراطي.
احتياج لكل صوت
من جانبه، اعتبر رئيس مركز “أورسام” للدراسات في أنقرة أحمد أويصال أن احتمال الذهاب للجولة الثانية عال، “لأن محرم إنجه -بالأخص- سيأخذ أصواتا معتبرة من حزب الشعب الجمهوري، بالإضافة إلى احتمال حصوله على قسم من أصوات حزب العدالة والتنمية”.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف أويصال أن لدى حزب العدالة والتنمية احتمالية أكبر للتقدم في النتائج، لكن احتمالية عدم إمكانية حصوله على نسبة 50% موجودة، بسبب احتمالية اقتطاع أصوات أيضا من حزب الحركة القومية من قبل المرشح سنان أوغان.
ومع عدم قدرة أكبر الأحزاب شعبية في تركيا الحصول على نسبة تضمن الفوز، برزت أهمية التحالفات السياسية نظرا للمنافسة الشديدة وعدم القدرة على التكهن بنتيجة متوقعة للانتخابات.
في هذا السياق، أكد الخبير في الشأن التركي علي باكير أنه بسبب الاستقطاب العميق، فإن كل صوت مهم في حد ذاته بغض النظر عن طبيعة الانتماء السياسي الحزبي للأفراد.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف باكير أن تجذر الاستقطاب في المشهد السياسي التركي قد يؤدي إلى عدم تجاوب الناخب مع الخطاب السياسي، وبالتالي تمسكه بموقفه.
وتابع أن “هناك من يجادل بأنه إذا لم تلتزم القاعدة الشعبية لتحالف المعارضة بالقرار السياسي في الانتخابات الرئاسية، فإن ذلك سيكون على الأرجح من نصيب أردوغان”، معربا عن صعوبة تصور قيام “أعضاء القاعدة الشعبية للأحزاب الصغيرة -ولا سيما ذات التوجه المحافظ- بالتصويت لمرشح المعارضة (الأتاتوركي) في الانتخابات الرئاسية”.
أهمية سياسية
واعتبر أويصال أن أهمية الأحزاب الصغيرة في هذه الانتخابات ليست فقط لحصد المزيد من الأصوات، لكن تعددها أيضا داخل كل تحالف له أثر نفسي على الناخبين.
واستدرك المتحدث أن الأحزاب الصغيرة لا يزال دورها مهمًا أيضا في القاعدة الانتخابية قائلا إن “1% من الأصوات لا يزال مهمًا لأنه يعني ما يقرب من مليون صوت انتخابي أو أكثر”.
كما تحدث الباحث السياسي بأنقرة حسين العلي عن أن التكتلات الحزبية “توحي للمواطن بكبر حجم التحالف، وأنه ليس مجرد أحزاب قليلة مجتمعة كالطاولة السداسية، وبالنظر إلى التحالف الحاكم فقد كان حزبين فقط، لكن تمت إضافة أحزاب أخرى ليصبح 5 أحزاب مما يعظم شكل التحالف”.
وأضاف الباحث أنه على الرغم من كون هذه الأحزاب صغيرة بالنسبة لقاعدتها الانتخابية، فإن بعضها له تاريخ في السياسة التركية نظرا لكون مؤسسيها شخصيات بارزة من حقبات سياسية سابقة، مما يعزز توصيل فكرة للشعب بتمثيلهم تاريخ الدولة التركية السياسي وأن معهم كل الناجحين منذ تأسيسها.
أحزاب متقابلة
وحسب العلي، فإنه توجد كتلة من شريحة الإسلاميين المؤيدين لحزب السعادة ترفض التصويت لكليجدار أوغلو، ولكنها في الوقت ذاته ترفض الإدلاء بأصواتها لأردوغان، فتنتقل هذه الكتلة للتحالف الحاكم مع انضمام حزب الرفاه الجديد.
وأشار الباحث أيضا إلى وضع مشابه مع كتلة الناخبين الأكراد التي ترفض التصويت لحزب “الشعب الجمهوري” عموما، أو لكليجدار أوغلو بشكل خاص، وهنا يأتي دور حزب “هدى بار” الكردي المحافظ في تحالف أردوغان بإمكانية جذب هذه الأصوات.
وأكد العلي أنه “تتجلى أهمية الأحزاب الضعيفة بدورها في جذب تلك الكتل الحرجة”.
ولكن في المقابل، رأى أويصال أيضا أن وجود أحزاب يمينية بجانب حزب الشعب الجمهوري في تحالفه “يهدف إلى تخفيف معارضة الشريحة المحافظة والأكراد عموما أو الأكراد المحافظين للتصويت لكليجدار أوغلو”.
سلاح ذو حدين
ولفت أويصال إلى أن المشهد داخل المعارضة معقد، فبالرغم من حصول كليجدار أوغلو على دعم من تيارات مختلفة بهدف الإطاحة بأردوغان، فإن التقارب مع حزب الشعوب الديمقراطي “ومن ورائه حزب العمال الكردستاني (المصنف جماعة إرهابية من قبل أنقرة) قد يؤدي إلى نفور الأصوات القومية”.
واستطرد قائلا إن حزب الشعب الجمهوري حصل على دعم الأحزاب الشيوعية كحزب العمال، ولكنه “لم يتمكن من الحصول على دعم حزبي محرم إنجه (البلد) أو حزب الراحل بولنت إيجافيت (رئيس الوزراء الأسبق، ومؤسس حزب اليسار الديمقراطي)”، مؤكدا أنه لم يستطع الحصول على دعم أحزاب وسط اليسار.
وأضاف أويصال أنه لا توجد أصوات يسارية كثيرة داعمة لأردوغان، فهو يحظى بدعم أحزاب اليمين القومي واليمين المحافظ.
وحسب أويصال، يحاول حزب الشعب الجمهوري قصقصة أصوات من الشريحة المحافظة بأخذ أحزاب صغيرة لها قاعدة انتخابية من اليمين بجانبه “لأن الشريحة المحافظة في تركيا لها الأغلبية”.
وحسب باكير، فإن معظم المنتمين إلى الأحزاب الصغيرة التي يسعى أردوغان إلى تأمينها من المحافظين.
ورجح الخبير السياسي أن الشريحة المحافظة “سواء كانوا النخبويين أو القوميين أو الإسلاميين أو الأكراد، لن يصوتوا في الغالب لمرشح المعارضة حتى لو قررت أحزابهم السياسية فعل ذلك”.
كما اتفق باكير مع أويصال بأن موقف كليجدار أوغلو “يراهن على أصوات الأكراد من دون الاضطرار إلى إعلان تحالف رسمي علني لتجنّب الانتقاد العام”.
هل يستمر تماسك المعارضة؟
يرجح الخبير السياسي باكير أن احتمالية انضمام أحزاب صغيرة أخرى للتحالفات أمر وارد، إلا أن أويصال استبعد ضم التحالفات أحزابا صغيرة أخرى لاقتراب موعد الانتخابات، معللاً أن انضمام أي حزب جديد في أي تحالف يعني إعطاءه مقعدا في البرلمان، وهو أمر يستغنى عنه في حالة عدم إضافة الحزب قاعدة انتخابية.
وحسب العلي، فإن وجود أحزاب هامشية داخل الطاولة السداسية كان مفيدا لكليجدار أوغلو لاستغلال صوت كل حزب لتأييد إعلانه مرشحا عن التحالف، وللتغلب على اعتراض رئيسة حزب الجيد ميرال أكشنار، التي رأت أنه ليس المرشح المناسب القادر على النجاح ضد أردوغان.
ويعتقد أويصال أن كليجدار أوغلو “من الممكن أن يدير ظهره للأحزاب الصغيرة، مما قد يفتح الباب لأزمات داخل التحالف”.
وتوجه مثل هذا، حسب أويصال، “قد يدفع أحزاب: المستقبل بقيادة أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء السابق، والسعادة الإسلامي، والديمقراطية والتقدم بقيادة علي باباجان النائب السابق لرئيس الوزراء، على العمل والتفكير في إقامة تحالف منفصل”.