انفراجة مفاجئة بمصر.. ماذا وراء السماح بزيارة المعتقلين بعد سنوات من منعها؟ | أخبار سياسة

القاهرةـ “هذا أبوك يا معاذ، أبوك”، هتفت بها رفيدة وهي تدفع بابنها ذي السنوات الست إلى رجل شابَ شعره رغم أنه لم يزل في منتصف العقد الرابع من عمره، وقد ترقرقت الدموع في عينيه وهو يحتضن ابنه الذي يراه لأول مرة منذ سجنه قبل 6 سنوات، وفرحة طفولية تتقافز في عيني الطفل وهو يتحسس وجه أبيه لأول مرة.

لم تكن هذه هي الحالة الوحيدة في صالة الزيارة بسجن برج العرب (غرب الإسكندرية)، كما تقول رفيدة للجزيرة نت، إذ تكرر المشهد أمامها في باحة السجن بين أبناء وآباء يرون بعضهم للمرة الأولى.

فبعد تمام السنوات التسع من الاعتقال، رأى ثائر أباه -الذي كان يسمع عنه- لأول مرة وجها لوجه، وأدرك أنه قد حيل بينه وبين والده بأسوار وأسلاك شائكة لأسباب لم تستوعبها طفولته المبكرة، وبات يدرك الآن ما تعنيه تلك الأسوار.

فجر أمل جديد

وخلال اليومين الماضيين، تعالت على مواقع التواصل الاجتماعي هتافات الانتشاء ممتزجة بأنات الأسى، عقب تداول أنباء عن فتح الزيارات لسجناء قضوا عدة سنوات دون زيارة، حتى أن ذويهم باتوا لا يعملون إن كانوا أحياء أم أمواتا؟

جلّ هؤلاء السجناء كانوا في سجن “بدر 3” الشديد الحراسة (شمال شرقي القاهرة)، وجرى توزيعهم على سجون: وادي النطرون وجمصة وبرج العرب شمالا، والمنيا جنوبا، وهنالك تمكن هؤلاء السجناء من الاتصال بالعالم الخارجي لأول مرة.

وخلال ساعات كانت السيارات تتقاطر على تلك السجون مثقلة بأسى مئات من الأسر التي اشتاقت لأزواج وأبناء لبثوا في السجن بضع سنين، دون خبر عنهم ولا أمل في خروجهم.

“يشبه الأمر ارتواءً بعد ظمأ، يعقبه شعور بخشية نفاد الماء دون مدد”، هكذا لخصت الأمر كتابات عدد من الأسر عقب تلك الزيارات القصيرة المفاجئة، تعبيرا عن خوفهم أن يكون فتح الزيارات مجرد انفراجة مؤقتة.

لم يكن أي من الذاهبين للزيارة على ثقة بإمكانية حدوثها، “الأمر كان أشبه بمقامرة”، بتعبير آية أحمد في حديثها للجزيرة نت، التي ظلت تردد وهي في طريقها لمحاولة زيارة زوجها الدعاء بألا يحرمها الله من رؤيته والاطمئنان عليه، وذلك بعد سنوات لا تذكر عددها من الحرمان من الزيارة، وفي النهاية عادت دون أن تراه، أو تعلم ما إذا كان قد جرى نقله أم لا.

تفسيرات

يفسّر المحامي والحقوقي أحمد حلمي الانفراجة المفاجئة بأن وراءها “قرارات استثنائية جرت نتاج ضغوط من المعتقلين أنفسهم”.

وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن “احتجاجات وقعت مؤخرا في السجون بهدف الحصول على الحقوق المقررة للسجناء، ومنها حق الزيارة والتريض والعلاج”، ولم يتسن التأكد من صحة تلك الاحتجاجات.

وثمة تفسير آخر لحالة الانفراج، ذكرته للجزيرة نت مصادر حقوقية، مفاده أن السلطة قررت تخفيف القبضة عقب ما نما لعلم مسؤولين كبار فيها من حقيقة ما يجري في سجن “بدر 3″، والأمر بتوزيع السجناء غير الخطيرين على سجون أخرى، فيما أبقت السلطات على آخرين يتطلب عقابهم الإبقاء عليهم في سجن بشروط محددة تنطبق على سجن “بدر 3”.

وتستدل تلك الرواية بما جرى من حسن معاملة أسر السجناء أثناء استقبالهم خلال الزيارة، كما أتيحت للسجناء في سجونهم الجديدة حقوقهم كافة.

وترجح صحة هذه الرواية تقارير حقوقية تؤكد أن “التفتيش كان في منتهى الرقي، وكانت معاملة الجنود غاية في الاحترام”، بحسب رواية زوجة معتقل أوردها تقرير الشبكة المصرية لحقوق الإنسان (مقرها لندن)، حيث فوجئت الزوجة وأخريات بالسماح لهن بزيارة ذويهم السجناء،  ممن مُنعت عنهم الزيارة منذ سنوات دون سند من القانون.

مراكز إصلاح لا سجون

وثمّنت الشبكة المصرية -في بيان لها- قرار المسؤولين الأمنيين بمركز بدر للإصلاح والتأهيل فتح الزيارات للجميع والمعاملة الحسنة التي تلقاها أهالي المعتقلين.

وطالب بيان الشبكة المصرية السلطات الأمنية المصرية باستمرار فتح باب الزيارة، وحسن معاملة المعتقلين النزلاء وكذلك ذويهم أثناء فترة الزيارات.

كما طالب بيان الشبكة السلطات الأمنية المصرية بفتح الزيارات وبالسماح لأهالي المعتقلين في بدر 3 والسجون الأخرى، ممن يعانون الحرمان من الزيارة لسنوات، برؤية ذويهم المعتقلين، والاطمئنان عليهم، أسوة بما حدث في بدر1.

وكان بيان مشترك لعدة منظمات حقوقية حذر السلطات المصرية مما وصفته بـ”العقاب الجماعي في سجن بدر 3″، كما طالب بتمكين اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات الحقوقية المستقلة من تفقد مجمع سجون بدر.

ويتضمن قانون تنظيم السجون حق السجناء في الزيارة مرتين شهريًا والمراسلة، لكنه في الوقت ذاته حدد ظروف منعها في المادة 42 التي تنص على أنه “يجوز أن تمنع الزيارة منعًا مطلقًا أو مقيدًا بالنسبة إلى الظروف في أوقات معينة، وذلك لأسباب صحية أو متعلقة بالأمن”.

وأقرت السلطات المصرية خطة لتصفية السجون القديمة خاصة التي تقع وسط المدن وتحتل مواقع متميزة، وشملت الخطة بناء العديد من السجون الجديدة التي أطلقت عليها مراكز الإصلاح والتأهيل، في ظل الإستراتيجية الوطنية التي أعلنتها قبل عامين لحقوق الإنسان.