مراسلو الجزيرة نت
كييف- تغرق روسيا في وحل مدينة باخموت (شرقي أوكرانيا) منذ شهور، ولكنّها تتمسك بالسعي للسيطرة عليها رغم أن المعارك هناك تحصد مئات الأرواح في صفوف قواتها. بالمقابل، ورغم الخسائر اليومية الكبيرة في جيشها أيضا، يحظى الدفاع عن باخموت لدى أوكرانيا بأهمية إستراتيجية، إذ ستشكّل نتيجة القتال فيها منعطفا في مسار الحرب يُحسب لها أو عليها.
فلماذا لم تسقط باخموت؟ ولماذا تتكرر إعلانات السيطرة عليها من كلا الجانبين؟ وما المتوقع بعد حسم معركتها؟
منفذ بات “عقدة”
لا تتمتع باخموت أو “أرتيموفسك”، كما كانت تسمى سابقا ويسميها الروس بهذا الاسم حتى اليوم، بأهمية صناعية أو زراعية تُذكر بالمقارنة بغيرها من المدن والمقاطعات الأوكرانية التي شهدت معارك عنيفة في سنة الحرب الأولى، لكن موقعها الجغرافي على طرق برية رئيسة أكسبها أهمية، بل بات لعنة عليها وعلى نحو 73 ألفا من سكانها.
دُمّرت المدينة بالكامل تقريبا، ومع ذلك فإن السيطرة عليها تعني للروس الحصول على منفذ للتقدم نحو باقي مدن وبلدات مقاطعة دونيتسك في جنوب شرقي أوكرانيا.
يقول الخبير العسكري في المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية ميكولا بيليسكوف إن “الحرب قامت أصلا بحجة تحرير ما يسمى بجمهورية دونيتسك الشعبية التي اعترفت بها روسيا ثم ضمتها، وبعد سنة لم تستطع -عمليا- إحراز أي تقدم، وبقيت نسبة 50% من مساحة دونيتسك تحت السيطرة الأوكرانية”.
ويضيف الخبير العسكري -للجزيرة نت- أن الروس يستميتون لإحراز نجاح ما يسوّقونه داخليا، بعد سلسلة من “الانسحابات والهزائم”. ولهذا، يركّزون بكل قواهم على جبهات دونيتسك، ويتحدثون لشعبهم عن انتصارات، “بغض النظر عن حقيقة أن ذلك لن يكون لهم إلا بفك عقدة كل من باخموت وأفدييفكا أولا”.
نصف جيش أوكرانيا
ولعل من أهم الأسباب التي تمنع التقدم السهل لروسيا في دونيتسك كثافة الوجود العسكري الأوكراني فيها، حتى قبل حصول أوكرانيا على أسلحة نوعية سخية من دول الغرب.
يقول الخبير بيليسكوف “في حقيقة الأمر، كانت أوكرانيا تتوقع (قبل 24 فبراير/شباط 2022) حربا في دونيتسك ولوغانسك، ولهذا كانت معظم التعزيزات ترسل إلى هناك، ونصف الجيش الأوكراني تقريبا كان موجودا في المقاطعتين، أي ما يزيد على 100 ألف مقاتل”.
وبرأي الخبير، حدّ هذا الوجود من تقدم الروس، وحتى بعد تحول تركيزهم نحو لوغانسك ودونيتسك بعد الانسحاب من الشمال، لم يكن الأمر سهلا عليهم؛ “فالجيش الأوكراني يقود منذ 2014 معارك ضد الروس والموالين لهم، ومن مدينة كراماتورسك بمقاطعة دونيتسك تحديدا”.
مكاسب رغم الخسائر
ورغم خسائرها الكبيرة، وإقرارها المتكرر بصعوبة الأوضاع في باخموت، التي توصف الآن “بالمرجل” أو “فرامة اللحم”، تتمسك أوكرانيا بالمدينة والدفاع عنها، وتتحدث حتى عن “فوائد جمة” لهذا الأمر.
وإذا أردنا إجمال الأهداف والفوائد المعلنة، اقتباسا من تصريحات المسؤولين الأوكرانيين، فإنها تنحصر بما يلي:
- حماية دونيتسك: فالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يقول إن “أوكرانيا تواصل الدفاع عن باخموت ولن تنسحب منها، لأن احتلالها سيفتح الطريق أمام الروس نحو تجمعات سكنية أخرى في المنطقة”.
- تجهيز “العمليات المضادة”: وهذا ما لمّح إليه مستشار الرئاسة الأوكرانية، ميخايلو بودولاك، الذي توقع بدء هذه العمليات في غضون شهرين على مختلف الجبهات، مشيرا إلى أن باخموت تشغل الروس عنها دون أن يستطيعوا فعل شيء.
- قتل المزيد: فوفقا لأوليكسي دانيلوف، أمين مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، وعلى حد وصفه، فإنه “لا يمكن تخيل مدى فائدة الدفاع عن باخموت لدينا. كمية هائلة من القذارة التي غزت أراضينا يجري جرفها هناك”، في إشارة إلى القوات الروسية وقوات “فاغنر” والموالين لموسكو.
- ضرب العمق: وفق إيفان ستوباك، الخبير العسكري في “المعهد الأوكراني للمستقبل”، والمستشار السابق لشؤون الأمن العسكري في البرلمان الأوكراني، فإن “ابتعاد الأوكرانيين عن باخموت يضعهم في مواقع دفاعية موزعين على عدة مدن، ويمنعهم من إلحاق ضربات أكثف بالعمق الخاضع لسيطرة روسيا في دونيتسك”.
ويقول ستوباك للجزيرة نت “قد يكون التفوق للروس في باخموت بحكم كثرة أعدادهم وغزارة نيرانهم، لكن صبر وصمود الأوكرانيين هناك قد يحقق نتائج عكسية تماما في المستقبل المنظور، في دونيتسك أو على جبهات أخرى، وهذا ما تراهن عليه السلطات في كييف”.