مراسلو الجزيرة نت
واشنطن ـ فاجأ حادث إسقاط موسكو طائرة مسيرة أميركية، المسؤولين العسكريين الأميركيين ممن كانوا يشاهدونه عبر بث فيديو مباشر من الطائرة إلى مركز عمليات في قاعدة رامشتاين الجوية بألمانيا، ذلك الحادث الذي من المتوقع أن يكون له تداعيات عدة خلال الفترة المقبلة.
ويشعر مسؤولون أميركيون كبار بالقلق منذ شهور من أن يؤدي هذا النوع من الحوادث أو سوء التواصل في البحر الأسود إلى مشكلة أكبر، وكثيرا ما تقوم المقاتلات الروسية بعمليات اعتراض جوي للطائرات الأميركية وغيرها من طائرات الحلفاء فوق البحر الأسود، بالإضافة إلى مناطق أخرى تحلق فيها الطائرات الغربية والروسية في المجال الجوي المجاور، من بحر البلطيق إلى قبالة ساحل ألاسكا.
من جانبها، أصدرت وزارة الدفاع الروسية بيانا زعمت فيه أن الطائرة المسيرة كانت تحلق مع “أجهزة إرسال واستقبال مغلقة، منتهكة حدود منطقة النظام المؤقت لاستخدام المجال الجوي الذي تم إنشاؤه لغرض إجراء عملية عسكرية خاصة”، وأضاف البيان أن الطائرة تحطمت بسبب “مناورة حادة”.
ويعد إسقاط المسيرة الأميركية من قبل الطائرات الروسية، الحادث الأول من نوعه منذ انتهاء الحرب الباردة. وقال المسؤولون الأميركيون إن الولايات المتحدة عطّلت برنامج الطائرة المسيرة، وتدرس خيارات جمع حطامها، لكن الروس يمكنهم الوصول إلى ما تبقى من الطائرة بشكل أسرع، إذ لا توجد سفن عسكرية أميركية في البحر الأسود، بينما لدى الروس الكثير منها في المنطقة.
هدف المسيّرات
وبينما أحجم البنتاغون عن الإفصاح عن المهمة التي كانت المسيرة تنفذها أثناء تحليقها فوق البحر الأسود، قال ديفيد دي روش، المسؤول السابق بالبنتاغون والمحاضر بكلية الدفاع الوطني بواشنطن، للجزيرة نت، “إن هذا تطور خطير جدا، ويبدو أن اشتباك الطائرات الروسية مع طائرة أميركية مسيرة فوق المياه الدولية هو محاولة لمنع الولايات المتحدة من جمع المعلومات التي قد تكون مفيدة لأوكرانيا من الناحية العسكرية”.
في حين اعتبر ماثيو والين الرئيس التنفيذي لمشروع الأمن الأميركي -وهو مركز بحثي يركز على الشؤون العسكرية-، أن “سلوك الطيارين الروس في هذا الحادث غير مهني وخطير ومقلق، لكنه ليس غير عادي. إنه مجرد حادث آخر في سلسلة طويلة من السلوك المتهور للطيارين الروس الذي يسبق حتى وقوع الحرب الحالية في أوكرانيا”.
محاولات فهم الأسباب
بدوره، أشار المسؤول السابق بالبنتاغون والمحاضر بكلية الدفاع الوطني بواشنطن دي روش في حديثه للجزيرة نت إلى أن هناك 5 نقاط يجب وضعها في الاعتبار عند محاولة فهم ما جرى، على النحو التالي:
- لا أعتقد أن روسيا ستكون بهذه العدوانية ضد طائرة أميركية تقليدية مأهولة، هم هنا يحاولون وضع معيار جديد للتعامل مع الطائرات المسيرة.
- الإجراءات الروسية (إلقاء الوقود ثم الاتصال بالطائرة المسيّرة) هو إجراء محفوف بالمخاطر.
- هناك احتمال قوي بأن تؤدي الإجراءات الروسية إلى إلحاق أضرار بالطائرات الروسية في حالات أخرى، وإذا حاول الروس إسقاط طائرات أميركية مسيّرة مرة أخرى، فقد يفقدون طائرة مأهولة، وهو أمر مهم، وتصعيد كبير.
- من المرجح أن يكون رد الولايات المتحدة زيادة طلعات الطائرات المسيرة فوق المجال الجوي الدولي، فقط لإظهار أننا نستطيع ذلك.
- النقطة الأهم أن ما جرى لا يعد عمل دولة عقلانية تسعى إلى تهدئة وضع دولي صعب.
في حين اعتبر ماثيو والين أنه “إذا كانت هذه الطائرة مأهولة، فإنها ستزيد من المخاطر التي ينطوي عليها الأمر بشكل كبير، ويبدو أن العمل العدواني المتعمد من جانب الطيارين الروس قد تم اتخاذه مع العلم أن عواقب إتلاف طائرة مسيرة ينظر إليها على أنها أقل استفزازا”.
وأضاف والين أن “الطيارين الروس لم يقوموا فقط بإتلاف دافع طائرة “إم كيو-9″ MQ-9 باستخدام طائراتهم، بل حاولوا أيضا تفريغ الوقود على الطائرة، من غير المعروف ما إذا كانوا يعتقدون أن الوقود سيضر بإلكترونيات الطيران أو الميكانيكية أو أسطح التحكم، أو إذا كانوا يحاولون إشعاله”.
وأشار إلى أنه “لا يبدو أن الطيارين الروس لم يحاولوا إسقاط طائرة المسيّرة، بل كانوا يحاولون التضييق عليها وربما اصطدموا بسبب عدم كفاءتهم”.
“Drawing on dozens of statistical tests, we found by far the most consistent support for … Russian forces are acting in a manner aimed at compelling a change in patterns of specific U.S. and allied behavior.”
Russia may want to drive the US military out of the Black Sea.
— William Courtney (@courtneywmh) March 14, 2023
ماذا بعد؟
وفي حديث للجزيرة نت، قال خبير الشؤون الدفاعية الأميركية مايكل بيك، إن “الأمر أصبح مقلقا جدا، من غير المرجح أن تنتقم الولايات المتحدة مباشرة من روسيا، لكن السماح لروسيا بالسيطرة على المجال الجوي الدولي فوق البحر الأسود أمر غير مقبول، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف ترد واشنطن، هل سيتم مرافقة هذه الطائرات المسيّرة بمقاتلات أميركية أو تابعة لحلف الناتو لحمايتها من هجمات مماثلة؟”.
بينما غرد السفير الأميركي الأسبق لدى جورجيا وكازاخستان، والخبير حاليا بمؤسسة راند البحثية وليام كورتين، محذرا من أهداف التحرك الروسي، وقال إنه “بالاعتماد على عشرات الاختبارات الإحصائية، وجدنا إلى حد بعيد أن أدق فرضية تؤكد أن القوات الروسية تتصرف بطريقة تهدف إلى إحداث تغيير في أنماط سلوك الولايات المتحدة وحلفائها بهدف طرد الجيش الأميركي من البحر الأسود”.