الخرطوم- مع تزايد حالة انسداد الأفق أمام الحل السياسي في السودان، عاد رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان للحديث عن الحاجة لتحقيق توافق واسع بين جميع الأطراف السياسية والعسكرية، مقترحا تنحي جميع الأطراف عن المشهد وإفساح المجال لآخرين، وهو ما فسره مراقبون بأنه دعوة لإجراء انتخابات مبكرة يسبقها تكوين حكومة تصريف أعمال.
وقال البرهان إن التجاذب الذي يراه حاليا بين المجموعات السياسية تدعوه لأن يرجوهم جميعا -بمن فيهم شخصه- للتنحي جانبا، وترك المجال لآخرين، فبعد 4 سنوات -كما يقول البرهان- لا أحد يريد قبول الآخر والكل يسعى لتوسيع حصته.
ومن وجهة نظر قائد الجيش فإن الصراع الحالي مصطنع وغير مبرر، مضيفا أن “الشعب السوداني يريد أن يشعر بالتغيير، ونحن أيضا نريد أن نرى الشعب يختار من يحكمه ويتحسس مواجعه، لذلك إذا فشلنا في الوصول لأكبر كتلة من التوافق الوطني يجب أن نمضي للخيار الثاني وهو التنحي”.
جاء ذلك خلال حديث البرهان في إفطار أقامه عضو مجلس السيادة ياسر العطا بمشاركة الفرقاء السياسيين من ائتلاف قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي- من جهة والكتلة الديمقراطية بالائتلاف من جهة أخرى .
أزمة الدعم السريع
ولا ينكر البرهان خلال ذات الحديث أن تأخر الاتفاق السياسي سببه الخلافات مع قوات الدعم السريع في بعض مسائل الإصلاح الأمني والعسكري قائلا “تبقت أشياء بسيطة ونصل للاتفاق النهائي، لا نُريد أن نصل إليه بأرجل عرجاء، نود أن يكون كل الناس معنا ونصل لاتفاق بكتلة انتقالية كبيرة ليس فيها شروخ حتى تمضي بالفترة الانتقالية إلى نهاياتها”.
وتعمل لجان فنية مشتركة بين الجيش و”الدعم السريع” لتسوية الخلافات حول المدة المحددة لدمج هذه القوات في الجيش، ومن يحق له القيادة والسيطرة على هذه القوات خلال الفترة الانتقالية، حيث درج الجنرال البرهان على ترديد أنهم لن يسمحوا لحكومة غير منتخبة بالتحكم في القوات المسلحة.
وهو ما يعني -وفق مراقبين- الرفض الضمني لأن تكون قيادة الجيش تحت إمرة المدنيين خلال الفترة الانتقالية، وهو ما يدعم حديث كثير من المتشككين في رغبة البرهان تسليم السلطة وسعيه الحثيث لإجراء انتخابات مبكرة، متعللا بعدم قدرة الأحزاب السياسية على التوافق.
في هذا السياق، قالت مصادر مطلعة للجزيرة نت إن الأطراف العسكرية توشك على الاتفاق على أن تكون فترة دمج “الدعم السريع” في الجيش 10 سنوات، بالاستناد إلى أن ذات النص الذي تم التوقيع عليه في اتفاق المبادئ الذي وقعت عليه كل الأطراف المشاركة في العملية السياسية بمن فيها قيادة الجيش، وذلك في 15 مارس/آذار الماضي.
وبحسب المصادر، فإن الخلاف مازال قائما حول تبعية قوات الدعم السريع لمجلس السيادة -شخصيات مدنية- أم للقائد العام للجيش، حيث تتمسك قيادة “الدعم السريع” بالخضوع للمجلس، بينما يقول قادة الجيش إنها يجب أن تأتمر بأمر القائد العام للقوات المسلحة مباشرة، وتوقعت حسم الخلاف في اجتماع يلتئم اليوم الأحد.
التوافق الصعب
في المقابل، تتسع الشقة بين ائتلافي الحرية والتغيير، والكتلة الديمقراطية المناط بهما الوصول لتكتل توافقي كبير على غرار ما يطالب البرهان، حيث ترفض “الحرية والتغيير-المجلس المركزي” الاعتراف بالكتلة الديمقراطية المكونة من 16 تنظيما، وتستثني منها حركتي “العدل والمساواة” و”تحرير السودان” بجانب الحزب الاتحادي الأصل، كقوى يمكن إلحاقها بالاتفاق النهائي.
وحاولت الآلية الثلاثية، المؤلفة من ممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، إيجاد مقترح توفيقي لتمثيل متقارب للطرفين في الآلية السياسية التي ستكون بمثابة حاضنة سياسية للحكومة الانتقالية، وعليها اختيار رئيس الوزراء والموافقة على الوزراء، علاوة على ترشيح نواب المجلس التشريعي.
واقترحت لجنة “المساعي الحميدة” من القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري تمثيل تنظيمات بعينها في الآلية بعيدا عن الكتلة الديمقراطية، وهو ما رفضته الأخيرة التي طالبت بتمثيل متساو في الآلية السياسية منعا لسيطرة الطرف الآخر على القرار، كما قدمت الكتلة مقترحا متكاملا للمشاركة السياسية بما يدعم التوافق العريض دون إقصاء، وفقا لمصدر في الكتلة الديمقراطية تحدث للجزيرة نت.
ولا تبدو فرص التوافق المطلوب مواتية رغم الإعلان عن إكمال صياغة الاتفاق النهائي، في انتظار تضمين توصيات ورشة الإصلاح الأمني والعسكري، وهو ما يجعل تصريحات البرهان محاولة للضغط على الأطراف لتقديم أكبر قدر من التنازلات وفقا لرئيس الحزب الوطني الاتحادي يوسف محمد زين.
ضغوط على البرهان
وفي حديثه للجزيرة نت، أكد زين أن البرهان واقع تحت ضغط كبير لدفع العملية إلى الأمام، مشيرا إلى أن الوضع الحالي لن يستمر طويلا ولابد من الذهاب لمرحلة أخرى، قد تكون إعلان حكومة تصريف أعمال أو دعوة لانتخابات ما لم تحدث تفاهمات عريضة.
وفي ذات الاتجاه، يذهب الأمين السياسي للحزب الاتحادي الأصل معتز الفحل، باعتبار أن تصريحات البرهان حول سيناريوهات الحل محاولة للضغط على جميع الأطراف لتقديم تنازلات والتسامي فوق الخلافات.
وأضاف “نحن في الكتلة الديمقراطية منفتحين على الجميع ونرفض اختزال الحل بيد مجموعة بعينها، لأن ذلك يدخل البلاد في مزيد من التعقيدات” مشددا على وجوب أن يكون الجميع بمستوى التحدي والمسؤولية دون الانحدار لدرك المزايدات.
ومن وجهة نظر الأمين العام للحزب الوطني الاتحادي الموحد محمد الهادي، فإن الكرة حاليا في ملعب المكون العسكري بعد إكمال القوى السياسية للاتفاق وإيداعه منضدة العسكريين لإضافة توصيات الإصلاح الأمني، مشيرا -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن تصريحات البرهان تصب في اتجاه تأخير العملية السياسية بدلا عن دفعها للأمام.
البحث عن بدلاء
يفسر المحلل السياسي محمد حامد جمعة تصريحات قائد الجيش بأنها محاولة لتوسيع العملية السياسية وفتح المشاركة لأكبر كتلة تشكل الفترة الانتقالية، باعتبار أن الوضع الحالي لا يحقق المطلوب من التوافق.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار جمعة إلى أن تعثر هذه الخطوة سيعزز من ضرورة البحث عن بدل، لكن وفق مسار معقد وحسابات دقيقة، ويطرح هذا المحلل السياسي استفهامات حول آلية إلزام الأطراف المدنية بالخروج والمغادرة، مضيفا “فهي بكل الأحوال وغض النظر عن حيثيات المسألة لا يعقل أن تفرط في مشروعية حكم أو اقتراب من مقاعد السلطة”.
ولفت إلى موقع أطراف العملية السلمية في سيناريو المغادرة، قائلا إنها ستحسب وضعية أنصبتها في السلطة والمنصوص عليها باتفاق السلام، وحيث إن (عملية) انصرافها ومغادرتها تعني أن تتراجع قياداتها الحالية التي حصلت على مقاعد متقدمة في السلطة لصالح زعامات جديدة.
وأضاف “كما أن الأمر نفسه لا يتسق وحقيقة أن منظومات العمل المسلح تذهب فيها كل الغلة للمجموعة القيادية، مما سيخلف مشكلة أخرى بأن تلغى النسب وبالتالي الاتفاق نفسه”.