رام الله– “الأسرى في ثورة دائمة، جميعهم شهداء مع وقف التنفيذ وعلى الجميع العمل للإفراج عنهم” هذا ما قاله الأسير المحرر فؤاد الشوبكي، أكبر الأسرى الفلسطينيين سنا في سجون الاحتلال، الملقب بشيخ الأسرى، فور الإفراج عنه من سجون الاحتلال.
ورغم تعبه الشديد وتقدمه في السن الذي منعه من السير بمفرده، فإن الشوبكي بدا صلبا وبمعنويات عالية وهو يلوح بشارة النصر بيديه.
وأُفرج عن الأسير الشوبكي -بعد 17 عاما في الأسر- من معبر ترقوميا جنوب الضفة الغربية، حيث حاول الاحتلال خلال ذلك التلاعب بالعائلة بتغيير مكان الإفراج عنه وموعده، وذلك وفق ابنته رانيا التي تضيف أنه كان من المقرر الإفراج عنه بداية من معبر الظاهرية.
وفي حديثها للجزيرة نت، تابعت رانيا “ساعات من القلق عشناها منذ الصباح خشية قيام الاحتلال بتأجيل الإفراج عنه أو إبعاده إلى القطاع، لم نصدق أنه تحرر إلا بعد أن رأيناه أمامنا”.
وليست رانيا وحدها التي كانت تتخوف من محاولة الاحتلال تعكير فرحتها بالإفراج عن والدها بعد كل هذه السنوات، فأشقاؤها الخمسة الذين اجتمعوا لأول مرة منذ اعتقاله في بيته استعدادا لاستقباله كانت تراودهم تلك المخاوف.
وعلى مدى أيام كان منزل الأسير بمنطقة حي المصايف وسط مدينة رام الله (وسط الضفة) خلية نحل تعمل على تحضير حفل استقباله، بيد أن الأبناء والأحفاد التسعة الذين لا يعرفهم الشوبكي إلا بالأسماء عايشوا مشاعر متناقضة، ما بين الفرح بالأسير الذي سيكون بينهم بعد كل هذه السنوات، وبين الحزن على غياب والدتهم وعدم تمكن أقاربهم من القطاع من استقباله، فضلا عن الخوف من أن يتراجع الاحتلال عن الإفراج عنه بأي حجة يختلقها.
تقول ابنته رنا -القادمة من السويد هي وأطفالها لاستقباله- إنهم لم يستطيعوا النوم طوال الليل وسط قلق من إجراءات الاحتلال لتعكير فرحتهم، وتابعت في حديثها للجزيرة نت “نتوقع من الاحتلال أي شيء يمكن أن يعكر فرحتنا بالإفراج عنه”.
وجرى الإفراج عن شيخ الأسرى عبر مركبة إسعاف بسبب وضعه الصحي، حيث جرى نقله إلى مقر المقاطعة في رام الله، ليضع بعدها إكليلا من الزهور على قبر الرئيس الراحل ياسر عرفات قبل التوجه لمنزل العائلة.
من فؤاد الشوبكي؟
ويعد الشوبكي أحد قيادات السلطة الفلسطينية وعضو المجلس الثوري لحركة فتح، وأحد المقربين من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قبل اعتقاله، وُلد في حي التفاح بقطاع غزة عام 1940، ودرس في مدارسها قبل أن يطارده الاحتلال، حيث انضم لحركة فتح في سن مبكرة، وتدرب في معسكراتها قبل أن ينتقل للأردن ومنها إلى لبنان وسوريا وتونس ثم مصر، وبعدها عاد إلى غزة.
وفي لبنان، أوكل له الرئيس الراحل عرفات مسؤولية مالية حركة فتح، إذ كان الشوبكي أنهى دراسته الجامعية بتخصص المحاسبة من جامعة القاهرة، وعمل خلال هذه الفترة على تأمين الذخائر والأسلحة وإيصالها لمواقع المقاتلين في لبنان، ومع إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1995 عاد برتبة لواء إلى قطاع غزة، حيث كان مسؤولا عن تأسيس الإدارة المالية المركزية العسكرية التي ترأسها في ما بعد.
تمتع الشوبكي بعد عودته إلى مسقط رأسه في غزة بشعبية عالية، فكان رجل الإصلاح الذي توافقت عليه كل الفصائل الفلسطينية، إلى جانب اهتمامه بقطاع الرياضة ودعم الشباب، إذ ترأس الاتحاد الفلسطيني للفروسية وعددا من الأندية الرياضية في القطاع.
ومع اندلاع الانتفاضة الثانية، عمل الشوبكي بأوامر من الرئيس عرفات على تأمين السلاح للمقاومة، واتهمته إسرائيل بأنه المسؤول عن أكبر عملية شراء وتهريب أسلحة ومعدّات عسكرية ضمن ما يعرف بسفينة “كارين إيه” (Karine A) التي اعترضتها القوات الإسرائيلية في البحر الأحمر عام 2002.
وطالبت إسرائيل حينها السلطة الفلسطينية بتسليم الشوبكي، غير أن عرفات رفض ذلك وأبقاه برفقته في المقاطعة برام الله، إلا أنه نتيجة ضغوط أميركية وإسرائيلية، اعتقلته الأجهزة الأمنية وأودعته سجن أريحا مع مجموعة من المقاومين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -على رأسهم الأمين العام أحمد سعدات- إذ كانت تتهمهم إسرائيل بالمشاركة في عملية اغتيال الوزير الإسرائيلي رحبعام زئيفي.
أمضى الشوبكي 4 سنوات في سجون السلطة، قبل أن تقتحم قوات الاحتلال السجن يوم 14 مارس/آذار 2006، وتعتقله مع من كان برفقته، ثم تم تقديمه للمحاكمة بصفته “العقل المدبر” لعملية سفينة “كارين إيه”، إلى جانب مسؤوليته عن تمويل شراء أسلحة استخدمت ضد أهداف إسرائيلية خلال الانتفاضة الثانية.
وخلال المحاكمة، طالبت مخابرات الاحتلال بسجنه 25 عاما، إلا أن محكمة الاحتلال قضت بسجنه 20 عاما، وبعد استئناف تقدم به محامي الأسير عام 2015، تم تخفيض حكمه إلى 17 عاما، بيد أن إسرائيل رفضت الإفراج عنه ضمن صفقات الإفراج عن الأسرى، كما رفضت طلبات تقدمت بها عائلته ومؤسسات حقوقية بالإفراج المبكر بعد تقدمه بالسن، وتحديدا بعد تدهور وضعه الصحي بعد إصابته بسرطان البروستاتا، فضلا عن معاناته من أمراض العيون والمعدة وارتفاع ضغط الدم.
فوبيا الاحتلال من الأسير
وحسب ابنته رانيا، فإن محاكم الاحتلال كانت ترفض الإفراج عنه بحجة أنه لا يزال يشكل خطرا على أمن إسرائيل، رغم أن أول طلب للإفراج عنه قُدم حين كان الشوبكي يبلغ من العمر 79 عاما.
ولم ترفض إسرائيل طلبات الإفراج فحسب، بل كانت تماطل في إجراء الفحوصات الطبية اللازمة، وتؤكد ابنته رانيا “لا نعلم شيئا عن وضعه الصحي الآن، منذ أشهر لم يتم إجراء فحوصات طبية له، ولا يُسمح لنا بالحصول على تقارير طبية حول وضعه الصحي لمتابعتها”.
ولم يكتفِ الاحتلال بسجن الشوبكي، إذ لاحق عائلته أيضا، فحين اعتقال الشوبكي من أريحا كانت عائلته لا تزال تسكن قطاع غزة، وبعد عام انتقلت زوجته وأبناؤه للعيش في رام الله، وهو ما صعّب على العائلة غيابه أكثر، خاصة بعد منع الزوجة من زيارته في السجن بانتظام.
وبعد سنوات من استقرار العائلة في رام الله، بدأت معاناة أخرى مع مرض الوالدة ووفاتها عام 2011، فلقد استغل الاحتلال ذلك للانتقام منه عندما حاول منع نقل جثمانها من الأردن حيث كانت تتلقى العلاج لدفنها في الضفة، حسب رانيا.
كما حرمت إسرائيل الشوبكي من وداع زوجته ورفضت الطلبات التي تقدمت بها العائلة بذلك. كما أنها لم تسمح لولديه حازم ومحمد بزيارته إلا مرة واحدة بالعام، مع منع أحفاده من زيارته.
وتنقل مراسلة الجزيرة نت مشاهداتها من منزل عائلة الأسير، فدلال ذات الستة أعوام (من أحفاد الشوبكي) كانت تغني بفرح كبير، وهي تحمل صورة جدها استعدادا لاستقباله، لتقول للجزيرة نت إنها لا تعرف جدها، لكنها تعرف أنه مقاوم، ولذلك اعتقلته إسرائيل كل هذه السنوات.