بعد 20 عاما على الغزو الأميركي.. هذه أبرز الأمراض التي يعانيها العراقيون | سياسة

أدى الاجتياح الأميركي للعراق قبل 20 عاما، إلى تردي الأوضاع الصحية وانتشار الكثير من الأمراض والأوبئة التي لا يزال يعاني منها العراقيون، خاصة ما يتعلق بالأورام السرطانية والتشوهات الجنينية.

وتسبب التدهور الصحي منذ غزو عام 2003 بتفشي العديد من الأوبئة مثل الحمى النزفية والسل والأمراض القلبية والسرطانية وغيرها من الأمراض الفتاكة التي فاقمت معاناة الشعب العراقي.

لايزال العراقيون يعانون من الأمراض بسبب الغزو الأميركي عام 2003 لاسيما الأورام السرطانية والتشوهات الولادية - صورة من داخل مستشفى الفلوجة - الجزيرة نت
مدينة الفلوجة تعاني أمراضا سرطانية وتشوهات خلقية لم تعرفها قبل الغزو الأميركي (الجزيرة)

أمراض متفشية

ويؤكد المختص بالصحة العامة الدكتور زياد حازم وجود الكثير من الأمراض الانتقالية وغير الانتقالية التي تفشت في عموم البلاد منذ الغزو الأميركي، مشيرا إلى ازدياد ملحوظ في الأمراض السرطانية المرتبطة بالملوثات البيئية والأطعمة المسرطنة، وسط غياب الرقابة الصحية على دخول المنتجات المستوردة، وفق قوله.

وفي حديثه للجزيرة نت، يستدل حازم على ذلك من خلال زيادة أعداد الأطباء والمستشفيات والأجهزة ذات الصلة بالأمراض السرطانية والأورام بصورة عامة والتي أسهمت بشكل كبير في التشخيص المبكر واكتشاف الارتفاع الكبير في عدد الإصابات.

وفيما يتعلق بالتشوهات الجنينية، شهد العراق ازديادا ملحوظا في نسبتها عقب عام 2003، إذ يرجح حازم أن تكون أسبابها مرتبطة بالغزو الأميركي وما صاحبه من استخدام بعض الأسلحة المحرمة، خاصة في الفلوجة (غربي البلاد) والبصرة ومدن جنوبية أخرى.

ويعرب المختص بالصحة العامة، عن أسفه الشديد لعودة ظهور بعض الأمراض الخطيرة، بعد أن نجح العراق في القضاء عليها قبل الغزو، ومن أبرزها الملاريا والكوليرا وشلل الأطفال، حيث يرجع ذلك للدمار الذي طال القطاع الصحي عقب الغزو، مستدركا بالقول إن القطاع الصحي العراقي يشهد في الفترة الأخيرة تحسنا ملحوظا.

كما تسبب التلوث الجوي في العراق بسبب العمليات العسكرية إلى زيادة الأمراض التنفسية، كما انتشرت الأمراض القلبية المرتبطة بالأزمات، حيث تزايدت أمراض تصلب الشرايين والذبحة القلبية واحتشاء العضلة القلبية التي باتت تنتشر في أعمار أصغر من المألوف؛ وذلك لعوامل نفسية مرتبطة بكثرة الحروب والصراعات، فضلا عن تناول الأطعمة غير الصحية الغنية بالدهون، كما يوضح حازم.

الأمراض الفتاكة منذ الغزو الأميركي عام 2003 فاقمت معاناة الشعب العراقي - أرشيف/ أسوشيتد برس
الأمراض الفتاكة منذ الغزو الأميركي عام 2003 فاقمت معاناة الشعب العراقي (أسوشيتد برس)

أسباب وعوامل

وأسهمت عوامل وأسباب عديدة في اتساع رقعة انتشار الأمراض الدخيلة بالعراق، ومن أبرز هذه العوامل فتح الحدود على مصراعيها وانعدام الرقابة على دخول وخروج المسافرين والبضائع، بالإضافة إلى الدمار الذي لحق بالقطاع الصحي، وذلك وفق ما يؤكده الصحفي سلام خالد.

ويؤكد خالد -في حديثه إلى الجزيرة نت- أن نسب التلوث ازدادت بعد الغزو نتيجة الأسلحة المستخدمة وما حصل بعدها في معركتي الفلوجة الأولى والثانية عام 2004، ثم في المعارك التي دارت عام 2014، بالإضافة إلى المخلفات الحربية من الألغام المشعة وغيرها.

أما عن أسباب التشوهات الخلقية للأجنة، فيكشف خالد -المنحدر من مدينة الفلوجة- أن المعلومات تشير إلى أسباب عديدة أهمها استخدام الولايات المتحدة أسلحة الفوسفور الأبيض المحرمة في معركة الفلوجة الثانية، الأمر الذي أسهم بشكل كبير في انتشار الأمراض وانتقالها من الآباء إلى الأولاد فظهرت حالات لتشوه الأجنة لم تكن معروفة قبل الحرب.

من جانبه، يوضح الخبير البيئي مروان السعيدي أن العديد من الشركات النفطية المنتشرة بالبصرة وبقية المحافظات المنتجة للنفط لم تلتزم بالمعايير البيئية، حيث ينصب جل اهتمامها على تحقيق الأرباح دون مراعاة الوضع الصحي للإنسان أو البيئة أو الزراعة، محذرا من خطورة الغازات المنبعثة من احتراق الوقود الأحفوري، فضلا عن مخاطر المخلفات النفطية التي تلقيها الشركات دون معالجة.

كما أن هناك الكثير من المواد الخطيرة والسامة والثقيلة كالرصاص والنحاس التي ازدادت كميات عناصرها في الجو على حدها الطبيعي وتسببت بحدوث الأمراض الخطيرة، لا سيما الرصاص المنتشر عن طريق عوادم السيارات والعمليات النفطية، وفق ما يرى السعيدي.

وشدد الخبير البيئي على ضرورة تعاون مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني وبقية المؤسسات لطرح برامج التوعية البيئية والصحية وإطلاق حملات التشجير لتقليل أثر الملوثات والغازات السامة التي تؤثر على الإنسان بصورة مباشرة.

الدكتورة ماردين محسوم فرج: غزو العراق عام 2003 أحدث تغييرا مهما في التاريخ العراقي السياسي والاقتصادي والاجتماعي - الجزيرة نت
ماردين محسوم ترى أن غزو العراق أحدث تغييرا مهما في التاريخ العراقي السياسي والاقتصادي والاجتماعي (الجزيرة)

معاناة وخسائر

وتسبب التدهور الصحي بخسائر فادحة بالأرواح فضلا عن التكاليف الباهظة للعلاج والتداعيات الأخرى المرتبطة بالاقتصاد وتقليل الإنتاجية وعرقلة مشاريع التنمية، حيث ترى أستاذة الاقتصاد ماردين محسوم فرج أن ما جرى في ربيع عام 2003 أحدث تغييرا مهما في التاريخ العراقي السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وفي حديثها للجزيرة نت، تؤشر إلى أن ما نجم عن ذلك يمتد للخسائر والتكاليف التي تكبّدها العراق جراء العمليات العسكرية الأميركية وانتشار الأمراض والأوبئة، وبالتالي، فإنه يمكن وصف الأوضاع الصحية بالعراق بأنها واحدة من الأسوأ في المنطقة، على حد تعبيرها.

وتستدل على ذلك من خلال متوسط نصيب الفرد من غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يرتبط بعدد السكان ونسبة انبعاثات الغاز في الهواء، مشيرة إلى أن النسبة تجاوزت 4.2 أطنان لكل فرد بعد عام 2020، في الوقت الذي لم تتجاوز فيه 3 أطنان عام 2003.

وخلال العقدين الماضيين كان هناك الكثير من الإجراءات الحكومية والموازنات التي خصصت لتحسين الواقع الصحي، لكن في مقابل ذلك، توجد العديد من العوامل التي ساعدت على إفشال أو تثبيط الواقع الصحي، وذلك بحسب المختص بالصحة العامة علي الطاهر.

وفي حديثه للجزيرة نت، يتابع الطاهر أن التركة الثقيلة للواقع الصحي لسنوات الحصار الدولي للعراق بين عامي 1991 و2003 تسببت بزيادة ظهور الأمراض الانتقالية والأمراض المعدية والتي ازدادت بعد الحروب التي توالت على البلاد بعد الغزو، معربا عن تفاؤله في تحسن الوضع الصحي بالبلاد في الأيام المقبلة.

كما يشير الطاهر إلى بعض المشكلات التي تستوجب معالجة حكومية سريعة، مثل سوء توزيع الكوادر الطبية والصحية، وقلة المراكز التخصصية للأمراض السرطانية والقلبية التي لا تتوفر في جميع المحافظات، فضلا عن الحاجة لتدريب الكوادر المحلية وتوفير الإمكانيات للأطباء العراقيين، وفق قوله.

جدير بالذكر أن الوضع الصحي في العراق شهد تحسنا في العامين الأخيرين مقارنة بالسنوات السابقة، حيث افتتحت العديد من المستشفيات الجديدة في البلاد، فضلا عن دخول قانون الضمان الصحي الذي شرعه البرلمان عام 2021 حيز التنفيذ.