تناول برنامج “للقصة بقية” في حلقته بتاريخ 2023/3/20 أوضاع العراق بعد 20 عاما من الغزو الأميركي الذي بدأت فصوله في 20 مارس/آذار 2003، حين أطلقت واشنطن عمليتها العسكرية تحت اسم “الحرية من أجل العراق”، التي تم التمهيد لها بمبررات مختلفة، وتبين زيفها مع الوقت.
وخلّف ذلك الغزو -الذي امتدت آثاره لسنوات- خسائر بشرية بمئات الآلاف، ومادية تقدر بتريليونات الدولارات، وتغييرات جذرية في البلد النفطي وفي المنطقة، وحتى في الولايات المتحدة ذاتها.
ورصد فيلم وثائقي أعده البرنامج أرقاما وإحصاءات تظهر ما كان عليه العراق قبل الغزو الأميركي، وما انتهى إليه، إضافة إلى تصريحات خاصة للقائد السابق للقوات الأميركية في العراق الجنرال ديفيد بتريوس، الذي أجاب فيها عن العديد من الأسئلة المتعلقة بالحرب، إلا أنه رفض بشكل قاطع تحديد إذا كان قرار غزو العراق صائبا أو لا.
كما أقر الحاكم المدني الأميركي للعراق إبان الغزو بول بريمر -في حديثه للبرنامج- بأن أكبر خطأ ارتكبه هو تفويض تنفيذ قرار اجتثاث حزب البعث (حزب رئيس العراق الأسبق صدام حسين) إلى الحكومة العراقية المؤقتة آنذاك، لتنطلق عملية تصفية حسابات سياسية ضد الخصوم، إضافة إلى إقراره بخطأ حل الجيش العراقي.
وفي حديثه، قال بريمر -محاولا تبرير الغزو- إن العراق كان بلدا غنيا جدا، حيث كان إجمالي ناتجه المحلي عندما تولى صدام الحكم أعلى من إسبانيا، ومع قدوم القوات الأميركية عام 2003، تدنى إلى مستوى إجمالي الإنتاج المحلي لأنجولا.
وهو ما رد عليه السياسي العراقي مثنى حارث الضاري بأن من الظلم تقييم حالة العراق قبل الحصار بما بعدها، مشددا على أنه ينبغي النظر إلى ما حصل في العراق بعد الاحتلال من فشل على كل الصعد.
الأرقام تتحدث
ووفقا لأرقام مؤسسات دولية رسمية، فقد عاش العراق في فترة ما قبل الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة عام 1990 سنوات من الازدهار في شتى مجالات الحياة.
وحسب تقرير يونيسيف الصادر عام 2014 عن التعليم، فإن العراق ما قبل 1991 كان يمتلك أفضل الأنظمة التعليمية في المنطقة، وكانت نسبة الأمية للفئة العمرية من 15 إلى 45 أقل من 10%، واستمر ذلك حتى عام 1984، وكان معدل الإنفاق الحكومي على التعليم يبلغ 20% من معدل إجمالي الميزانية الحكومية، لتستمر المؤشرات في التراجع من 1991 وحتى 2003.
وعلى المستوى الاقتصادي، يشير تقرير أعدته خدمة أبحاث الكونغرس عام 2003 إلى أن العراق في الثمانينيات كان يمتلك أفضل الاقتصادات في العالم العربي، لتتدهور الحال بعد عام 1991.
واستمرت سنوات الحصار الذي فرضته الولايات نحو 13 عاما، حملت معها أشكالا من البؤس والعناء للشعب العراقي، ليعلن بعدها بدء الحرب العسكرية التي أقر قائد القوات الأميركية في العراق حينها ديفيد بترويس بأن تقرير الاستخبارات الذي كان أحد الدوافع الرئيسية للحرب، وأفاد بأنه كانت هناك أسلحة دمار شامل في العراق؛ مثّل فشلا استخباراتيا كبيرا.
نتائج عكسية
وسرعان ما أتت رياح التغيير الأميركية بنتائج معاكسة، إذ تشير دراسة أعدها المركز الدولي للعدالة الانتقالية عام 2013 إلى أن بريمر اتخذ فور تعيينه رئيسا للإدارة المدنية في العراق عدة قرارات تسببت في أزمات وتصدعات متراكمة؛ مثل قرارات اجتثاث البعث وحل الجيش العراقي والاستعجال في تأسيس نظام انتخابي قائم على المحاصصة الطائفية.
وكان عام 2005 عام الانزلاق إلى الفوضى، إذ تشير الإحصاءات التي تبنتها دراسة وضعها المركز الديمقراطي العربي إلى أن أعمال العنف في العراق كانت تحصد 30 قتيلا كل يوم خلال عامي 2003 و2004، ثم أخذت في الارتفاع مع نهاية عام 2005 لتصل إلى 50 قتيلا، وازدادت إلى أكثر من 100 قتيل في اليوم مع منتصف 2006.
ونتيجة انعدام الأمن في العراق، تأثرت كافة أشكال الحياة بالبلاد؛ فعلى مستوى التعليم -مثلا- تشير الدراسة التي نشرها مركز جنيف للعدالة عام 2013 إلى أن 84% من المؤسسات التعليمية في العراق دمرت أو طالها الدمار، كما تم اغتيال 467 محاضرا وأستاذا منذ عام 2003.
خسائر بشرية واقتصادية
وقدرت الإحصاءات الرسمية لوزارة الدفاع الاميركية أعداد القتلى الأميركيين في العراق -بسبب الغزو- منذ 2003 وحتى 2011 بنحو 4500 قتيل، في حين قتل نحو 200 ألف عراقي، طبقا لهيئة إحصاءات ضحايا العراق.
كما وصلت الخسائر المادية إلى تريليون و100 مليار دولار، حسب دراسة لجامعة براون، التي تعتقد أن الرقم سيصل إلى 2.2 تريليون دولار بعد عام 2050؛ نظرا لرعاية المحاربين القدامى والمصابين.
وفي مراجعة جديدة قدمتها منشورات جامعة أوكسفورد عام 2023، بعنوان “بعد مرور 20 عاما على حرب العراق، نحو بنية إقليمية جديدة”، رأت الدراسة أن حرب العراق ساعدت على تآكل أسطورة القوة المطلقة للغرب، وفتح الشرق الأوسط كمساحة تنافسية للفرص الاقتصادية والإستراتيجية، وكان ذلك جزءا من تحول مستمر واسع من القطبية الأحادية إلى تعددية قطبية أكبر في المنطقة والعالم أجمع.
تغيير وأمل للتطوير
وفي حديثه للبرنامج، رأى الكاتب والباحث العراقي جاسم الموسوي أن العراق يشهد مساحات للتغيير الإيجابي، ويحدوه أمل التطوير، مبينا أن النظام السياسي الحالي أفضل من أي نظام سابق، فهو -حسب رأيه- يتناسب مع العراق، رغم بعض أخطاء النظام الحالي.
ورأى أن هذه الأخطاء هي التي أدت إلى الفساد المالي والإداري الحالي، لكنه يرى أن الأمر حاليا مختلف، وأن الفساد بدأ ينحسر ويُحاصر بشكل كبير، وأن التغيير قائم رغم بطئه، و”هناك مراجعات حقيقية وتصحيح في كل المجالات وعلى مختلف المستويات”.
في حين يرى الكاتب والباحث العراقي يحيى الكبيسي أنه بعد إسقاط نظام صدام “الدكتاتوري”، أصبحت في العراق سلطة قائمة على أساس طائفي، لافتا إلى أن القوانين الشمولية التي أنتجها نظام ما قبل الاحتلال ما زالت قائمة.
وأضاف “نتحدث عن بنية نظام ودستور طائفيين، والفساد أصبح جزءا من بنية النظام السياسي والدولة والتزوير المنهجي للانتخابات واحتكار السلطة، ومحاولة تسويق أشكال ديمقراطية بعيدة عن المحتوى فيها نوع من التضليل”.