بعد 7 سنوات من القطيعة الدبلوماسية بين السعودية وإيران، جاء في بيان مشترك بين طهران والرياض وبكين أن البلدين اتفقا -في مباحثات قادها رئيسا مجلسي الأمن القومي فيهما بدعم صيني- على طي صفحة الخلافات بينهما وتطبيع العلاقات التي شهدت توترات عديدة.
وجاءت تصريحات المسؤولين في البلدين لتؤكد التوجه الجديد في إدارة العلاقة بينهما. إذ قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إن دول المنطقة يجمعها مصير واحد يجعل من الضرورة أن تتشارك لبناء نموذج للازدهار.
وعلى الجانب الإيراني، قال وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان إن سياسة حسن الجوار أمر محوري ونواصل العمل نحو مزيد من الخطوات الإقليمية، وأضاف عبد اللهيان أن عودة العلاقات الإيرانية السعودية توفر إمكانات كبيرة للمنطقة والعالم الإسلامي.
ويشار إلى أنه تم الاتفاق بين السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارتين والممثليات الدبلوماسية في غضون شهرين، وتم التوصل إلى هذا الاتفاق عقب مباحثات جرت في بكين مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، وقد تضمن اتفاق البلدين تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، والاحترام المتبادل والالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
لماذا الصين؟
وعن سياق هذه الخطوة، أوضح رئيس مركز الخليج للأبحاث عبد العزيز بن صقر -في حديثه لبرنامج “ما وراء الخبر” (2023/3/10)- أن الاجتماعات الأمنية السابقة كانت تهدف إلى التأكد من أن الحكومة الإيرانية قادرة على حماية المنشآت الدبلوماسية كما تنص على ذلك الاتفاقيات الدولية، وقد قدمت طهران في هذه الصدد ضمانات كافية.
كما أن السعودية أرادت ضمان احترام السيادة الخاصة بالدول وتوازن العلاقات الدولية والإقليمية، خاصة أن الرياض تعيد ترتيب علاقتها مع تركيا وإيران.
أما إيران، فقد عانت من عزلة بسب علاقاتها المتشنجة بدول الجوار، ولكن هذا التقارب سيمكن الطرفين من الحوار الدبلوماسي. وعن تدخل الصين، أوضح بن صقر أنها أكبر دولة تربطها علاقات اقتصادية مع السعودية ودول الخليج، وهي الشريك الاقتصادي الأكبر لإيران وهو ما ممكنها من لعب دور حيوي وضمان الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأوضح أن عودة العلاقة بين السعودية وإيران سيفتح الباب واسعا لمناقشة كل الملفات في المنطقة، منها الأمن البحري وأمن الطاقة، والمليشيات وحزب الله في لبنان والحوثي في اليمن، مشيرا إلى أنها فرصة مواتية لحل القضايا العالقة في المنطقة.
التدافع الأمني
بدوره، أشار الباحث المتخصص في القضايا الإقليمية محمد صالح صدقيان إلى أن العراق احتضن 5 محاولات من المباحثات الأمنية بين إيران والمملكة العربية السعودية، ما جعل الجانبين يتوصلان لنقاط مهمة من أجل استكشاف المواقف وكيفية الاتجاه قدما نحو اتجاه العلاقات الدبلوماسية بينهما، ولكن المفاجأة كانت هي دخول الصين على الخط ووضع الحوارات الأمنية في مقدمة الاهتمامات.
وأوضح أن التدافع الأمني الإقليمي في المنطقة هو ما جعل السعودية وإيران تحاولون وضع علاقاتهما في نصابها الصحيح، معتبرا أن البلدين وصلا لقناعة مشتركة، وهي أن الرابح في التدافع الأمني سيكون خاسرا أيضا في الوقت ذاته، لكونه لا يخدم مصالحهما.
كما توقع أن تستفيد بلدان المنطقة من هذا التقارب، حيث سيتم حل الملفات الشائكة، وهو ما جعل مختلف الدول ترحب بهذه الخطوة. أما بالنسبة لإسرائيل، فهي لا تريد أي تقارب “إقليمي – إقليمي”، بل تطمح دائما إلى زرع التقسيم بين البلدان، كما يقول صدقيان.
ردود فعل
وفي سياق المواقف الدولية، قالت الصين على لسان كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي إن محادثات وحوار السعودية وإيران في بكين نصر للسلام. أما الولايات المتحدة فقالت إنها كانت على علم بالاتصالات السعودية الإيرانية، مشيرة عبر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي فيها جون كيربي إلى أن ما يهم واشنطن إنما هو إنهاء الحرب في اليمن ووقف الهجمات على السعودية.
وعبّرت الخارجية العراقية التي لعبت دورا في التقريب بين طهران والرياض عن ترحيب بغداد بالاتفاق عسى أن يكون فاتحة صفحة جديدة من العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. كما أكدت الخارجية التركية أن استئناف العلاقات بين إيران والسعودية خطوة مهمة ستسهم في أمن المنطقة واستقرارها.
من جهتها أكدت الخارجية اللبنانية أن اتفاق السعودية وإيران سيترك أثره الإيجابي على مجمل العلاقات الإقليمية. ووصف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الاتفاق بكونه تحولا جيدا في المنطقة.
في المقابل، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الاتفاق السعودي الإيراني سيؤثر على إمكانية تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.