مراسلو الجزيرة نت
بغداد – يواجه العراق الذي نشأت حضارته على ضفتي دجلة والفرات مصيرا كارثيا جراء شح المياه التي تراجعت كمياتها إلى مستوى ينذر باحتمال فقدان مياه الشرب، في ضوء انخفاض المخزون المائي الإستراتيجي إلى 7.5 مليارات متر مكعب للمرة الأولى بتاريخ البلاد، وفق ما أفادت به وزارة الموارد المائية الأسبوع الماضي.
وفي الوقت الذي انتشرت فيه صور ومشاهد فيديو لجفاف مساحات واسعة من حوضي نهري دجلة والفرات في جنوب البلاد، كشف المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال -في تصريحات صحفية- عن أن المخزون المائي وصل إلى مراحل وصفها “بالحرجة جدا”، حيث لا تستطيع الوزارة ضخ مياه كبيرة للأنهار، بسبب فقدان العراق 70% من استحقاقاته المائية القادمة إليه من دول الجوار.
وعزت الوزارة هذه الأوضاع إلى الجفاف المستمر منذ 3 سنوات، والخطة الزراعية التي ضغطت بشكل كبير على المخزون المائي.
أزمة مياه الشرب
في السياق، قلصت الحكومة العراقية العام الماضي مساحة الأراضي المشمولة بالخطة الزراعية الموسمية إلى النصف، بينما استبعدت محافظات معينة من الخطة بالكامل، وذلك في الوقت الذي كشف فيه مؤشر الإجهاد المائي الدولي عن أن العراق مهدد بأن يصبح بلا أنهار بحلول عام 2040 مع جفاف نهري دجلة والفرات.
وبينما يحذر متخصصون من أن تنسحب الأزمة على مياه الشرب، طمأن المتحدث باسم الموارد المائية خالد شمال -في حديث للجزيرة نت- العراقيين، مشيرا إلى أن وزارته محافظة على منسوب مياه الشرب على مستوى البلاد، لكنه أقر بوجود حالات نزوح باتجاه مصادر المياه من بعض المناطق التي تعاني من الجفاف، بالإضافة إلى نفوق بعض الحيوانات من الماشية.
ويعود سبب انحسار مياه دجلة والفرات إلى “سياسات دول المنبع” التي قامت ببناء العديد من مشاريع السدود والاستصلاح الكبرى، دون التنسيق مع العراق الذي يعد دولة مصب، وذلك ما أثر على استحقاقاته التاريخية في النهرين اللذين تراجعت الإيرادات الواصلة لهما إلى أقل من 30% من معدلاتها الطبيعية، حسب تأكيد خالد شمال الذي بيّن أن العراق عانى فضلا عن ذلك في السنوات الثلاث الماضية من جفاف قاسٍ أدى إلى استنزاف الجزء الأكبر من المخزون المائي.
في غضون ذلك، يسعى العراق للتوصل إلى اتفاق مع تركيا لرفع الإطلاقات المائية بواقع 400 متر مكعب في الثانية من نهر دجلة، و500 متر مكعب في الثانية من نهر الفرات.
وكان وفد رفيع المستوى برئاسة وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي زار تركيا الأسبوع الماضي، إلا أن الجانب التركي لم يوضح موقفه من هذه المطالبات، حسب شمال.
وتابع المتحدث أن وزير الموارد المائية عون ذياب أجرى أيضا زيارة الأسبوع الماضي إلى إيران والتقى المعنيين بإدارة ملف المياه، حيث اتفق الطرفان على نصب محطات رصد للتصريف داخل العراق على الأنهر الحدودية المشتركة، ليتم بعد ذلك تحديد الإجراءات التي يمكن اتخاذها.
وخلال أقل من 4 سنوات وتحديدا منذ عام 2019 فقد العراق -الذي بات في المرتبة الخامسة على مؤشر الجفاف العالمي- نحو 53 مليار متر مكعب من مخزونه المائي، وفق بيانات وزارة الموارد المائية.
تقصير حكومي وبرلماني
وللوقوف على دور وزارة الخارجية من أزمة المياه المرتبطة بالدول المجاورة، تواصلت “الجزيرة نت” مع وزارة الخارجية العراقية لمعرفة آخر تحركاتها تجاه دول المنبع، بيد أنها لم تستجب لمحاولات الحصول على تعليق.
أما عضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان مثنى أمين فأكد أن المجلس لم يتطرق إلى الملف المائي ولم يفكر فيه مطلقا، معلقا “يبدو أن المجلس مشغول بقضايا أخرى، لذا لم تتضمن أجندته أي شيء يخص هذا الموضوع رغم المحاولات المتعددة لتضمينه”.
وفي حديثه للجزيرة نت، استدرك أمين قوله “بالإشارة إلى أن الحكومة العراقية هي المعنية بهذا الملف، لكنها أيضا لم تعره أهمية، لذلك تستمر دول المنبع في قطع الحصة المائية دون أي مراعاة لحسن الجوار، وهذا ما يمنع التوصل إلى أي اتفاق معها”، لافتا إلى أن الأزمة ستنسحب على مستوى تأمين مياه الشرب، على حد قوله.
في الأثناء، قال مدير دائرة الموارد المائية في محافظة ذي قار غزوان عبد الأمير -للجزيرة نت- إنه وفق المتوفر من المخزون المائي، فإن الصيف القادم سيكون قاسيا، منبها إلى احتمال فقدان مياه الشرب في بعض المناطق ما لم يتم احترام إجراءات الوزارة ومنع استمرار التجاوز على الحصص المائية، مؤكدا توقف مضخات مياه الشرب في قضاء الإصلاح بالمحافظة.
ويتفق مع هذا الرأي خبير الإستراتيجيات والسياسيات المائية رمضان حمزة الذي أضاف أن المتبقي من المخزون المائي في سد الموصل يبلغ مليار متر مكعب فقط، ومن ثم سيُلجأ إلى المخزون في بحيرة الثرثار ليذهب باتجاه نهر الفرات، وبذلك ستعاني مناطق عديدة من الجفاف.
حمزة قال -في حديث للجزيرة نت- إن استخدام المياه المخزنة سيكون مقتصرا على الشرب فقط، وهو ما قد لا يتوفر في العديد من المناطق، منبها إلى أن ذلك سيؤدي إلى نسيان الزراعة في الصيف القادم، ومن ثم سينعكس على حدوث هجرة مناخية، وفق تعبيره.
يشار إلى أن العراق يمتلك 19 سدا في عموم أنحاء البلاد، معظمها مشيد على نهري دجلة والفرات وروافدهما، حيث تعتمد البلاد في حصولها على المياه على ما يصل إليها من دول المنبع من تركيا وإيران.