تصعيد من جنوب لبنان.. سيناريوهات ما بعد إطلاق عشرات الصواريخ باتجاه إسرائيل | سياسة

بيروت- في تطور عسكري لافت، أطلق من الجنوب اللبناني عدد من الصواريخ باتجاه الجليل الغربي، مما وضع لبنان أمام العديد من السيناريوهات المرهونة بالمسار العسكري الذي تسلكه إسرائيل في الرد على هذه الصواريخ، على إثر ما سيرشح عن اجتماع مجلس الوزراء المصغر (الكابينيت) برئاسة بنيامين نتنياهو هذه الليلة.

وبعدما تحدث الإعلام الإسرائيلي عن إطلاق نحو 100 صاروخ دوت لها صفارات الإنذار ودفعت الإسرائيليين إلى الملاجئ، تبين لاحقا أن العدد الفعلي لا يتجاوز 39 صاروخا، اعترضت منها القبة الحديدية نحو 20 صاروخا بدائيا من نوعي الكاتيوشا وغراد.

وتعد أعداد الصواريخ تطورا كبيرا، رغم أن هناك شبه إجماع إسرائيلي على أنها رد على الأحداث الأمنية الخطيرة التي تشهدها القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك، فيما علق الجيش الإسرائيلي بأن الحكومة اللبنانية تتحمل مسؤولية إطلاق الصواريخ من أراضيها.

30 rockets fired from Lebanon toward northern Israel: Israeli army
عشرات الصواريخ أطلقت من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل (الأناضول)

أما في بيروت، فتتفق معظم التقديرات السياسية والمصادر العسكرية على أن مجموعات من الفصائل الفلسطينية في مخيمات جنوب لبنان هي التي أطلقت هذه الصواريخ، وإن لم تعلن ذلك رسميا، وليس حزب الله اللبناني الذي لم يعلق بعد على هذا التطور العسكري، فأثيرت التساؤلات حول ما إذا كانت الصواريخ أطلقت بغطاء ودعم غير مباشر من حزب الله أو بمنأى عنه.

ويرجّح مراقبون أن ردّ حزب الله سيكون مشروطا بتجاوز إسرائيل الخطوط الحمراء لقواعد الاشتباك عند الحدود، خصوصا بعد ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وفيما فتح الجيش اللبناني تحقيقاته وسجل حضورا أمنيا مكثفا في الجنوب، أعربت قوات اليونيفل الدولية العاملة في لبنان عن قلقها من الوضع ووصفته بـ”الحذر جدا”، كما حلقت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية فوق مدينة صور والمناطق الحدودية.

ورغم أنها ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها الفصائل الفلسطينية الجنوب اللبناني للرد على الاعتداءات الإسرائيلية في فلسطين، فإن محللين أجمعوا على أن الصواريخ شكلت صدمة لإسرائيل من حيث العدد والتوقيت، كما أعطت إشارة سلبية لها بأن الساحات والجبهات قد تتوحد ضدها في أي لحظة إذا واصلت تنكيلها السافر بالفلسطينيين.

ويذكّر هذا الحدث بتصعيد أقل وطأة عدديا، على إثر قصف الطائرات الإسرائيلية في أغسطس/آب 2021 مواقع جنوبي لبنان لأول مرة بعد حربها مع حزب الله عام 2006، واستهدفت حينها محيط مخيم الرشيدية والدمشقية في خراج بلدة المحمودية، وهي منطقة مفتوحة غير مأهولة جنوبا، ردا على إطلاق 3 صواريخ من الجنوب اللبناني لم يتبناها أحد، سقط اثنان منها في مستوطنة كريات شمونة.

وهنا، تطرح الجزيرة نت عددا من الأسئلة يجيب عنها كل من: المحلل السياسي حسين أيوب، والعميد المتقاعد الخبير العسكري اللبناني إلياس فرحات، والمحلل السياسي وسيم بزي.

  • لماذا جاء التصعيد العسكري من جنوب لبنان بهذا التوقيت؟

يعتقد المحلل السياسي حسين أيوب أن التوقيت إسرائيلي، بمعنى أن المسؤول عن تصعيد الأحداث في الأقصى هو اليمين الديني الصهيوني المتطرف، ويتساءل: هل كان للردّ أن يقتصر على جبهة واحدة؟، ثم يجيب: “أعتقد أن قضية بحجم الأقصى ليس مسموحا أن تكون مواجهتها حصرا على الفلسطينيين”.

ويضيف أيوب أن المقاومة في غزة أطلقت عدة صواريخ، كما يجب التدقيق في هوية المسيّرة التي أطلقت من جبهة الجولان للمرة الأولى وتم إسقاطها بصاروخ إسرائيلي، ومع صواريخ جنوب لبنان، تبدو الرسالة واضحة: “الزناد سيكون رخوا كلما تم استهداف المسجد الأقصى”.

كما يقول إلياس فرحات إن هذا التصعيد بمثابة رسالة تحذيرية لإسرائيل، بغية إرغامها على التراجع عن التدابير القمعية بالمسجد الأقصى، وردّا على اعتقالها 400 فلسطيني والتسبب في أضرار هائلة.

ويضيف أن “إعلان بعض المجموعات الدينية المتشددة نيتها ذبح قرابين داخل المسجد كفيل بإشعال حرب دينية”، لافتا إلى أن هذه الرسالة الصاروخية تزامنت مع حملة استنكار سياسي واسعة من معظم الدول العربية والإسلامية، وعقد جلسة لمجلس الأمن بناء على طلب فلسطيني أردني.

في حين يقول المحلل السياسي وسيم بزي إن المناخ عموما متوتر للغاية، بعد سلسلة الغارات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، والمواجهات بالقدس إثر المس بالمسجد الأقصى في شهر رمضان، واشتعال جبهة الضفة الغربية وغيرها، ثم جاءت الصواريخ من جنوب لبنان.

ويعتقد أن التطورات الأخيرة قد تكون مفاجئة للبعض، ولكنها جاءت انعكاسا للتوتر الحقيقي بين جميع الساحات، مشيرا إلى أن الجبهة اللبنانية كانت “الأكثر تشويقا بوجود أشرس وأقوى خصم هو حزب الله على الجبهة الشمالية لإسرائيل”.

30 rockets fired from Lebanon toward northern Israel: Israeli army
إسرائيل حمّلت الحكومة اللبنانية مسؤولية إطلاق الصواريخ (الأناضول)
  • من أطلق الصواريخ من الجنوب اللبناني؟

يقول إلياس فرحات إن هناك مجموعات فلسطينية متعددة في مخيمات صور (الرشيدية والبرج الشمالي)، يرجّح أنها أطلقت هذه الصواريخ بغية مساندة أهالي القدس والشعب الفلسطيني بشكل عام.

في حين يرى وسيم بزي أن إسرائيل إذا أرادت التعاطي مع الحدث بمحدودية تفاديا لتداعياته العسكرية، فستقتصر اتهاماتها على الفصائل الفلسطينية، أما إذا أرادت التصعيد فستتهم حزب الله، مضيفا أن عدد الصواريخ شكّل موجة إطلاق غير مسبوقة منذ حرب يوليو/تموز 2006، ويتوقع أن يواصل حزب الله صمته لمراقبة مسار الردّ والتفاعل الإسرائيلي عقب اجتماع الكابينيت الإسرائيلي.

أما حسين أيوب، فيعلق: “حتما ليس حزب الله وراء إطلاق الصواريخ مباشرة، ولكن ردّا بهذا الحجم لا يمكن أن يكون مجرد صواريخ مجهولة الهوية والرسائل”.

  • ما السيناريوهات العسكرية المتوقعة بعد التصعيد جنوب لبنان؟

يذكر إلياس فرحات أن القصف توقّف عصرا بعد استمراره نحو ربع ساعة بشكل متقطع. وتكتيكيا، يشير إلى أن إسرائيل لم تردّ باتجاه الأراضي اللبنانية وكان ردّ الفعل هو الطلب من السكان في الشمال التزام الملاجئ، متوقعا أن ترد إسرائيل بشكل موضعي محدود أو لا ترد أبدا، وذلك رهن نتيجة اجتماع الكابينت، مستبعدا وجود رغبة إسرائيلية في شنّ حرب واسعة النطاق ضد لبنان، لأنها تستوجب تحضيرات لا يمكن إخفاؤها ولم تظهر بعد.

وفي حال التصعيد، يتوقع فرحات أن تستهدف إسرائيل هدفا محددا قرب مخيمات صور جنوبا، وألا تلجأ لخيار غارات الطيران لأنها تشمل تصعيدا قد يؤدي لحرب واسعة النطاق.

ويقول وسيم بزي إن إسرائيل لن تذهب إلى ردٍّ نوعي خوفا من استفزاز حزب الله ودفعه للرد على الرد، واصفا الجيش الإسرائيلي بالمرعوب الذي يخشى التصعيد مع لبنان تحديدا حتى لا يكشف هشاشته، مقابل الاستقواء على خواصر رخوة مثل القصف بسوريا والحرب داخل فلسطين.

على مستوى آخر، يعتقد حسين أيوب “أننا أمام محاولة رسم معادلة جديدة، قوامها ترابط الساحات في مواجهة استهداف المسجد الأقصى، ويجد أيوب أن ثمة مناخا دوليا يساعد على رسم هذه المعادلة.

وتابع أن “إسرائيل ليست طليقة اليدين أميركيا، وكلنا نعرف أن الحرب تحتاج إلى قدرة نارية متواصلة لا تستطيع إسرائيل توفيرها دون أميركا، كما حصل في حرب 2006،عندما فتحت مخازن السلاح الأميركية وأقيم جسر جوي أميركي لمد إسرائيل بالقنابل الذكية التي تخترق التحصينات”.

ويضيف أيوب أن المناخ الإقليمي -وتحديدا بداية التوافق السعودي الإيراني- ليس لمصلحة إسرائيل، موضحا أن “المطلوب إشعار إسرائيل أن المس بالأقصى يقتضي رسائل ردعية من كل الساحات، من أراضي 48 والضفة والقدس وغزة وجنوب لبنان وحتى جبهة الجولان”.

  • هل ينعكس هذا التصعيد جنوبا على المشهد السياسي اللبناني المعقد؟

لا يتوقع حسين أيوب أن يترك سيناريو التصعيد المضبوط تداعيات أو انعكاسات على المشهد اللبناني، إلا إذا ذهب نتنياهو نحو خطوة أكبر من الردّ الموضعي، و”عندها نكون أمام تدحرج سياسي وعسكري وأمني سيترك تأثيره، ليس على الساحة اللبنانية وحدها بل على مجمل المشهد في المنطقة”.

ويتفق وسيم بزي مع حسين أيوب، مضيفا أن هذه التطورات قد يتم استخدامها داخليا، ولكن كجزء من حالة الاشتباك المستمرة في لبنان حول هوية البلد وخيارات تموضعه بالمنطقة.