القدس المحتلة – يبدو ظاهريا أن التصعيد على الجبهة الشمالية مع لبنان والتوتر على جبهة غزة، الذي تمثل في إطلاق قذائف صاروخية من قطاع غزة أمس الأربعاء، وإطلاق صواريخ الكاتيوشا من لبنان اليوم الخميس، تم تنسيقهما من قبل حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وفقا للتقديرات الاستخباراتية الإسرائيلية، ردا على اعتداءات الاحتلال على المسجد الأقصى المبارك.
وتجمع التقديرات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية على أن حماس مسؤولة عن تصعيد التوتر بإطلاق القذائف الصاروخية على إسرائيل في الجنوب والجليل الغربي، مدعوما من إيران وضوء أخضر من حزب الله.
وعزت التقديرات الإسرائيلية التصعيد إلى الأحداث في القدس والمسجد الأقصى والصراع على السيادة على المسجد الأقصى، وهو السيناريو الذي يشابه في تفاصيله عملية “حارس الأسوار” (سيف القدس) في مايو/أيار 2021.
-
ما الذي أدى إلى التصعيد على الجبهة الشمالية مع لبنان؟
يقول مدير معهد دراسات الأمن القومي تمير هايمن إن ما حصل “كان إطلاق نار فلسطينيا واسع النطاق من لبنان، إنه ليس إطلاق نار من قبل حزب الله، لكن من الصعب تصديق أن حزب الله لم يكن على علم به”.
التفسير الفوري لهذا التصعيد -يرجح هايمن الذي شغل في السابق منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان”- هو رد فعل لما حدث في القدس والأقصى مؤخرا، كجزء من التعريف الواسع الذي نشأ في الساحة الفلسطينية والعربية لما اعتبر “تدنيسًا للمسجد الأقصى”.
ويقدر هايمن أن العامل الداعم لهذا التصعيد هو شعور الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بالثقة الزائدة في النفس وأيضا لدى قيادات حماس في الخارج، والذي ينبع من تفسير خاطئ للأحداث الأخيرة سواء عملية مجدو، أو الرشقات الصاروخية من قطاع غزة، أو إطلاق طائرة مسيرة من سوريا نحو العمق الإسرائيلي، أو ضعف الردع الإسرائيلي.
عامل داعم آخر لهذا التصعيد، يقول هايمن في تغريدة له على مواقع التواصل الاجتماعي، “هو الوضع الداخلي في إسرائيل، كما قدرنا، أعداؤنا لن يستغلوا ذلك لشن هجوم مع سبق الإصرار، لكن بالنظر إلى المصادفة أو ملفات حارقة مثل الأحداث في المسجد الأقصى، فإنهم سيستغلون ذلك”.
-
ما الأسباب والأحداث التي أسهمت في التصعيد؟
سبق هذا التصعيد الهجمات الإسرائيلية المتتالية في سوريا، واغتيال عناصر من حزب الله وقيادات بالحرس الثوري الإيراني، حيث أتت هذه الهجمات لمحاولة إعادة الردع الإسرائيلي، وإعادة ترسيخ قواعد جديدة قبالة الفصائل الفلسطينية وحزب الله وحماس لمنع شن هجمات داخل إسرائيل ولتجنب حرب شاملة على عدة جبهات.
وعليه، حذرت دائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” من تراجع خطير في وضع إسرائيل الإستراتيجي في ظل تأكل قوة الردع، وذلك بسبب رصد ما يوصفون بـ”أعداء تل أبيب” ضعف إسرائيل نتيجة الشرخ الداخلي في المجتمع بسبب خطة حكومة بنيامين نتنياهو إدخال تعديلات على الجهاز القضائي.
وبحسب تقديرات الاستخبارات العسكرية الإسرائلية، فإن تراجع وضع إسرائيل الإستراتيجي وقوتها السياسية والأمنية إقليميا ودوليا، والتباعد بين إسرائيل وأميركا، مهّد لهذا التصعيد الذي تقف خلفه إيران، إذ تعتقد طهران أن إسرائيل لن تتمكن من خوض حرب شاملة عليها أو مهاجمة مشروعها النووي من دون دعم أميركي.
-
هل التصعيد على الجبهة اللبنانية كان مفاجئا؟
تشير التقديرات الأمنية والعسكرية إلى أن التصعيد على الجبهة الشمالية مع لبنان لم يكن مفاجئا، وتجمع التقديرات الاستخباراتية على أن التصعيد كان مجرد مسألة وقت، خصوصا مع تنامي النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان.
ويعتقد رون بن يشاي المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن الهجوم الصاروخي من جنوب لبنان على الجليل الغربي جزءٌ من مخطط فصائل المقاومة الفلسطينية بتشجيع من إيران للتصعيد على عدة جبهات، مما يلزم الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي تحديد كيفية الرد وعدم اقتصاره على قصف مدفعي.
-
أي دور لحزب الله في التصعيد بالرشقات الصاروخية؟
تشير تجارب الماضي، وفقا للتقييمات الإسرائيلية، إلى أنه على الجبهة الشمالية مع لبنان لا يوجد أي نشاط عسكري أو إطلاق أي قذيفة صاروخية من جنوب لبنان دون موافقة حزب الله على ذلك.
وعلى الرغم من الانطباع الأول بدور رئيسي لحزب الله، فإن بن يشاي يقول: “لم يطلق الحزب الصواريخ بنفسه، لكنه أعطى الضوء الأخضر للفصائل الفلسطينية من جنوب لبنان، يمكن افتراض وتدعيم ذلك بعد إعلانه عن دعمه للنضال الفلسطيني في القدس والأقصى”.
ولكن يبقى المحور المهيمن، وفق وجهة النظر الأمنية الإسرائيلية حيال التصعيد على الجبهة الشمالية مع لبنان، هو حركة حماس وتحديدا “صلاح العروري المسؤول عن منطقة الضفة الغربية ويعمل من لبنان وتركيا”.
-
هل نحن أمام تصعيد محدود أم حرب قصيرة أم حرب مفتوحة؟
تجمع تقديرات مراكز أبحاث الأمن في إسرائيل على أن حكومة نتنياهو ليست جاهزة لحرب شاملة أو تصعيد على عدة جبهات في آن واحد، حيث تواجه خلافات داخلية، علما بأن وزير الدفاع يوآف غالانت ما زال تحت سيف الإقالة، وكذلك التباين وعدم الإجماع حتى على قضايا الأمن القومي.
كما أن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت)، المسؤول عن الخروج للحرب وتحديد السياسات الأمنية والعسكرية والرد على أي هجوم يستهدف إسرائيل، لم ينعقد منذ شهرين، مما يعكس عمق الأزمات الداخلية في إسرائيل.
وعزا مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب ذلك إلى أزمة الثقة التي تواجهها الحكومة في المجتمع الإسرائيلي بسبب الاحتجاجات ضد خطة تعديل جهاز القضاء.
ووسعت الاحتجاجات من دائرة رفض خدمة الاحتياط لضباط في سلاح الجو والاستخبارات العسكرية وعناصر وحدات السايبر، حيث لا يمكن الخروج لحرب دون جاهزية ومتانة وحدات الاحتياط في الجيش.
-
ماذا تعني سيناريوهات الرد الإسرائيلي؟
لا تريد إسرائيل أن تظهر لفصائل المقاومة الفلسطينية والعربية المزيد من تآكل الردع، وبالتالي ترجح التقديرات العسكرية الإسرائيلية أن الرد سيكون مختصرا ومحددا، وذلك لتجنب مواجهة شاملة مع حزب الله، أو حرب على عدة جبهات لعدم جاهزية الجبهة الداخلية الإسرائيلية لمثل هذه المواجهة في هذه المرحلة.
ولكن يبدو أن هناك عاملين يلازمان القرار الذي سيتم اتخاذه على الصعيدين السياسي والعسكري في إسرائيل: الإبقاء على سيناريو الرد المحدود سواء على أهداف ومواقع للمقاومة الفلسطينية في لبنان، واستهداف مواقع لحزب الله ولمليشيات موالية لإيران في سوريا.
-
ما معاني ودلالات سيناريوهات الرد الإسرائيلي؟
يقدر يواف ليمور المحلل العسكري في صحيفة “يسرائيل هيوم” أنه إذا امتنعت إسرائيل عن الرد أو اختارت الرد بطريقة ثانوية، فإنها ستوحي لجميع العناصر والفصائل المعادية في إسرائيل في الشرق الأوسط عامة، وإيران خاصة، بأنها ضعيفة، وقد يحاولون استهدافها في العمق في المستقبل القريب.
من ناحية أخرى، يمكن أن يتحوّل الرد القاسي إلى تصعيد خطير متعدد المجالات والجبهات ليس فقط في غزة، ولكن أيضا في الضفة الغربية والقدس الشرقية ولبنان، وهو ما تخشاه إسرائيل وغير معنية بهذا السيناريو.