رغم الكلفة الباهظة.. لماذا تربط بيلاروسيا مصيرها بانتصار موسكو في الحرب؟ | سياسة

موسكو– مضمون جديد بات يحمله “يوم الوحدة” بين شعبي روسيا وبيلاروسيا، الذي يُحتفل به في 2 أبريل/نيسان من كل عام، بعد أن أصبح كلا البلدين تحت سيف واحد من العقوبات الغربية سرّعت بدورها من عملية التقارب بين البلدين، عقب سنوات من التردد والتباين.

قبل ذلك بسنوات، كان بالكاد يمكن اعتبار العلاقات بين موسكو ومينسك صافية، فقد تخللتها اتهامات متبادلة بتأخير عمليات الاندماج التي طال الحديث عنها بين البلدين، وكذلك الأصوات كانت تعلو من مينسك وتتحدث عن تهديد السيادة البيلاروسية من قبل روسيا، والدعوات لتبني سياسة خارجية أكثر استقلالية عن موسكو.

عدو عدوي

بدأ الوضع يتغير بشكل ملموس إثر فرض عقوبات من قبل الدول الغربية على بيلاروسيا بسبب أحداث عام 2020، عندما اندلعت احتجاجات في البلاد بعد الانتخابات الرئاسية، دعمت خلالها موسكو -دون تحفظ- الرئيس ألكسندر لوكاشينكو.

وتحسنت العلاقات بين مينسك وموسكو بشكل أكبر بعد بدء الحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، فقدمت بيلاروسيا أراضيها للجيش الروسي، وتشاركت مع روسيا في التعرض للضغوط والعقوبات الغربية، على الرغم من أنها لم تشارك بشكل مباشر في الحرب.

البدايات

بعد تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991، أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين موسكو ومينسك في 25 يونيو/حزيران 1992. وفي 8 ديسمبر/كانون الأول 1999 تم التوقيع على معاهدة تأسيس شراكة إستراتيجية بين البلدين، والذي سبق توقيعه تشكيل المجموعة الروسية البيلاروسية في أبريل/نيسان 1996، وفي 2 أبريل/نيسان 1997 تحققت ذروة التفاهم بتشكيل اتحاد بين البلدين.

يتكون الأساس القانوني للعلاقات الروسية البيلاروسية من أكثر من 300 معاهدة واتفاقية. كما يرتبط البلدان باتفاقيات متعددة الأطراف في إطار رابطة الدول المستقلة ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي.

وتتعاون روسيا وبيلاروسيا في إطار رابطة الدول المستقلة (منذ 1991)، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي (منذ عام 2002)، والاتحاد الجمركي (منذ عام 2010)، والفضاء الاقتصادي المشترك (منذ عام 2012). والدولتان عضوان في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي يضم كذلك كازاخستان وأرمينيا وقرغيزستان منذ عام 2015.

وحسب ما هو مكرس في عقيدة السياسة الخارجية الروسية، تعتبر بيلاروسيا حليفا إستراتيجيا لروسيا، ويشكل تعزيز التعاون معها في إطار دولة الاتحاد أولوية أساسية لموسكو، إلى جانب التكامل في إطار الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

الاندماج الوعر

امتدت عملية التكامل بين البلدين لأكثر من 20 عاما، تخللها مختلف أشكال التعقيدات، بسبب التباين في المصالح الإستراتيجية، ولاعتبارات ذات طابع اقتصادي صرف.

لكن معاهدة عام 1999 شكلت، حتى في ظروف التردد وعدم اليقين، إطارا لقاعدة قانونية، انطوت في وقت لاحق على اعتماد دستور اتحادي وإنشاء هيئات فوق وطنية (بما في ذلك برلمان من مجلسين، ومؤسسات قضائية وغيرها)، وتشكيل فضاء اقتصادي موحد، وإدخال عملة مشتركة، وتوحيد أنظمة الطاقة، ومواءمة سياسات التجارة والتعريفات الجمركية، وإدخال نظام ضريبي واحد.

ومع ذلك، ولأسباب ذاتية وموضوعية، فإن هذه العمليات لم تكتمل بعد بشكل تام.

رئة اقتصادية

تقدم روسيا قروضًا منتظمة إلى بيلاروسيا لتعزيز استقرارها المالي، بما في ذلك سداد وخدمة ديون الدولة وتجديد احتياطيات الذهب والعملات الأجنبية فيها.

ووفقًا لبيانات وزارة المالية البيلاروسية، فقد بلغ حجم ديون مينسك من القروض الحكومية الروسية ابتداء من يونيو/حزيران 2019 وحتى الآن 7.55 مليارات دولار.

لكن حتى عمليات الإقراض لم تخلُ من مشاكل، كما حصل في عام 2019، عندما توقعت بيلاروسيا الحصول على قرض جديد من روسيا بقيمة 630 مليون دولار لاستخدامه في إعادة تمويل التزامات الديون المستحقة للجانب الروسي، لكن “مشاكل” واجهت عملية جذب الأموال، لتذهب بيلاروسيا إلى “البديل” الصيني، ووقعت مع بكين اتفاقية لتقديم قرض عاجل بقيمة 500 مليون دولار.

تعتبر روسيا المورد الرئيسي للنفط والغاز إلى بيلاروسيا، حيث تعمل مصافي النفط في الجمهورية السوفياتية السابقة على المواد الخام الروسية. وبالنسبة لمينسك، فإن إعادة تصدير النفط الخام والمكرر الوارد من روسيا وغير الخاضع للرسوم شكّل (قبل العقوبات الغربية) أحد المصادر الرئيسية للدخل، ومع سريان العقوبات الغربية، فقدت الميزانية البيلاروسية جزءًا مهمًّا من دخلها.

كما تعتمد بيلاروسيا بشكل كبير على الغاز الروسي، وتستورد منه سنويا نحو 20 مليار متر مكعب. بالإضافة لذلك، يعتبر بناء محطة الطاقة النووية البيلاروسية أكبر مشروع استثماري ثنائي بين البلدين، والذي تم الاتفاق عليه في 2012.

الحرب مع أوكرانيا ووحدة المصير

بالنسبة للرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، لم يكن العام الماضي سهلا، مع وقوع مينسك مجددًا في دائرة استهداف العقوبات الغربية، والتي كان جزء منها بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

ورغم أن مينسك لطالما اعتادت أن تكون خاضعة لقيود مختلفة، فإنها لم تخضع لمثل هذه القيود الخطيرة من قبل.

في الوقت نفسه، وجدت روسيا نفسها تحت ضغط عقوبات غير مسبوق، وأثرت معظم هذه القيود أيضًا على بيلاروسيا.

ويكاد أغلب المراقبين الروس يجمعون على أن ذلك أدى إلى تقريب البلدين بدرجة أكبر، وهو ما جاء على لسان لوكاشينكو نفسه، الذي قال في أوائل شهر مارس/آذار الجاري، إنه “إذا انهارت روسيا، فستكون بيلاروسيا هي التالية، بل وليست حتى التالية، إذ إننا سننهار معًا”.

إن دلالات كلام لوكاشينكو تعني أنه إذا خسرت موسكو في المواجهة مع الغرب، فسوف تسقط مينسك بعد ذلك، وبالتالي، يبدو أن مينسك قد حسمت خيارها بتحالف طويل الأمد، ولربما، حتى النهاية مع موسكو.

ولعل تصريح لوكاشينكو، اليوم الجمعة، بأنه إذا لزم الأمر سيتفق مع بوتين على إدخال أسلحة نووية إستراتيجية إلى بلاده، قد يكون أعلى سقف من التأييد تعبر عنه بيلاروسيا تجاه روسيا، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.