القاهرة- رغم وقف بعض الدول استيراد اللحوم من البرازيل بسبب ظهور إصابات بمرض جنون البقر، فإن الحكومة المصرية قررت مواصلة الاستيراد، مؤكدة أنها تطبّق ضوابط تمنع دخول أي لحوم مشكوك في سلامتها إلى البلد، وهو ما تباينت آراء الخبراء بشأنه.
وخلال الأسبوعين الماضيين، أوقفت دول -من بينها الأردن وروسيا وتايلند- استيراد الأبقار البرازيلية، بعد ظهور إصابات في ولاية بارا البرازيلية يوم 20 فبراير/شباط الماضي.
وتستهلك مصر مليون طن من اللحوم الحمراء سنويا، تنتج 605 آلاف كيلوغرام منها محليا، وتستورد الكمية المتبقية. وتستحوذ البرازيل على 60% من هذه الواردات، وفق ما نقلته “سي إن إن” (CNN) الأميركية هذا الشهر.
وتحتل مصر المرتبة الثالثة في قائمة مستوردي اللحوم البرازيلية عالميا بعد الصين والولايات المتحدة. ووفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد بلغت واردات مصر من اللحوم والأبقار والجاموس الحية 1.3 مليار دولار خلال الشهور الثمانية الأولى من 2022، مقارنة بـ1.5 مليار دولار خلال الفترة نفسها من 2021.
وتزامن ظهور مرض جنون البقر في البرازيل واستمرار استيراد اللحوم منها رغم ذلك، مع وصول أسعار اللحوم المحلية في مصر إلى مستويات غير مسبوقة، بين 250 إلى 300 جنيه للكيلوغرام الواحد (الدولار يساوي نحو 31 جنيها).
لجنة حكومية
وقال مساعد وزير الزراعة المصري رئيس هيئة الخدمات البيطرية إيهاب صابر، إن الحكومة ربما توقف الاستيراد مؤقتا لحين استلام نتائج التحاليل من المعامل الكندية، لكنه أكد أن الأمر ليس مقلقا وأن الوزارة شكلت لجنة لمتابعة الحيوانات القادمة إلى مصر.
وأضاف صابر أن الحكومة ستتخذ جملة من الإجراءات للتثبت من سلامة الحيوانات المستوردة، وأن قراراتها تأخذ بعين الاعتبار التاريخ المرضي للحيوانات.
كما أكد المتحدث باسم الوزارة محمد القرش أن الحكومة تبذل جهودا كبيرة للحفاظ على صحة وسلامة المواطنين، وتوفير منتجات عالية الجودة.
إجراءات صارمة
من ناحيته، يقول رئيس جمعية “مواطنون ضد الغلاء” محمود العسقلاني إن الحكومة المصرية تفرض إجراءات صارمة جدا في مسألة استيراد اللحوم، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات تتسبب في زيادة التكلفة.
وأوضح العسقلاني للجزيرة نت أن المستوردين يتحملون آلاف الدولارات من أجل التأكد من سلامة اللحوم المستوردة، مشيرا إلى أن الجمعية سبق أن طالبت بتخفيف هذه الإجراءات لأن تكلفتها تضاف على المستهلك في النهاية.
وأضاف أن مصر ملتزمة بما تصدره المنظمة العالمية لصحة الحيوان -التي تتابع الوبائيات في أنحاء العالم- من توصيات في حال وجود أي خطر.
والأمر نفسه أكده رئيس شعبة الجزارين في الغرفة التجارية بالقاهرة محمد وهبة، الذي قال إن الحكومة تفرض ضوابط شديدة على الاستيراد.
ولفت وهبة، في حديث للجزيرة نت، إلى أن الحكومة ليست مجبرة على الشراء من البرازيل في حال استشعرت أي خطر، لأن لديها العديد من الأسواق البديلة مثل الأوروغواي وتشاد، وهي أيضا تقدم أسعارا جيدة.
وأكد المتحدث أن اللحوم البرازيلية تجد إقبالا في الفترة الحالية بسبب ارتفاع أسعار اللحوم المحلية، مشيرا إلى أن الحكومة استوردت كميات كبيرة من الماشية خلال الفترة الماضية لضخها في الأسواق مع قرب دخول شهر رمضان المبارك.
ووفقا لوهبة، فإن مصر لديها قدرة كاملة على ضبط سلامة الحيوانات الواردة من الخارج، وتطبق إجراءات شديدة في سبيل ذلك.
فحص قبل وبعد الاستيراد
يقول الأستاذ بكلية الطب البيطري بجامعة القاهرة ربيع حسن فايد إن هناك محاجر صحية تابعة لوزارة الزراعة في كافة الموانئ والمعابر، تحتجز المواشي المستوردة أسبوعا لفحصها خارجيا وأخذ عينات دم منها، للتأكد من خلوها من الأمراض والهرمونات والإشعاع الذري.
وأضاف فايد -في تصريح للجزيرة نت- “لو ثبت وجود أمراض يتم حجرها مُددا مختلفة لمعالجتها وإدخالها للسوق، لكن في حال لم تتعاف تتم إعادتها إلى البلد المصدر وفقا للتعاقد”.
وبحسب فايد، تقوم الهيئة العامة للخدمات البيطرية بتشكيل لجنة من أطباء بيطريين متخصصين في الأمراض القابلة للانتقال، تسافر إلى الدول التي يتم الاستيراد منها، لفحص هذه الحيوانات التي يتم حجزها 3 أسابيع قبل فحصها، ومن ثم التعاقد عليها مع الحصول على شهادة تؤكد خلوها من الأمراض.
كما لفت إلى أنه “يتم التعاقد دائما على فحص الحيوانات قبل وبعد استلامها، لأنها ربما تصاب بمرض بعد فحصها أو خلال نقلها الذي يستغرق أسابيع، وقد يتم تبديلها بحيوانات أخرى مريضة من جانب الدول المصدرة”.
وأعرب المتحدث عن قناعته بأن مصر لا تستورد الحيوانات إلا من الدول الخالية من الأمراض الوبائية والمعدية، لكنه أكد أن استيراد اللحوم السودانية والصومالية أفضل لمصر “لأنها أقل تكلفة، فضلا عن أن الأفارقة أكثر مصداقية في مسألة سلامة المواشي”.
اتهامات بالتلاعب في الإجراءات
على العكس من ذلك، يقول مستشار وزير التموين الأسبق عبد التواب بركات، إن القانون المصري يحظر ابتداءً استيراد اللحوم الحية من دول فيها أمراض وبائية أو متوطنة، ويوجب حجر الحيوانات القادمة من دول خالية من الأمراض في محاجر خاصة لمدة 6 أشهر على الأقل حتى تتحول إلى لحوم محلية، وهو ما لا يحدث إطلاقا.
وفي تصريح للجزيرة نت، قال بركات إن مصر استأنفت استيراد اللحوم الحية من إيرلندا عام 2017 بعد وقفه 20 عاما بسبب جنون البقر، فضلا عن أن الحكومة تقوم بتوزيع المواشي المستوردة عموما بعد وصولها بفترة بسيطة في تجاوز واضح للشروط الصحية.
كما أن البرازيل -وفقا للمسؤول السابق- تتساهل في استخدام محفّزات النمو أو ما يعرف بهرمونات الأنوثة ذات المخاطر الشديدة على الصحة العامة، “وهو أمر تتجاهله مصر رغم أنه معروف للجميع”.
وخلص بركات إلى أن مواصلة الاستيراد بهذه الطريقة هدفه إغراق السوق وضرب المربّين المحليين لصالح مستوردين معروفين لا يخضعون لأية رقابة أو قيود أو محاسبة، مؤكدا أن الإجراءات المعلنة لا تطبق على الجميع.