تعز – “نستقبل شهر رمضان المبارك بقليل من الخبز والماء، فنحن لا نملك أي شيء سوى رحمة الله”. بهذه الكلمات تبدأ المواطنة اليمنية “أم عمر” (40 عاما) سرد معاناتها، وعبراتها تتساقط على جبينها، وسط خجل مكسو بالضعف والوجع المرير جراء الوضع المعيشي الصعب.
تسكن أم عمر مع زوجها وأولادها الخمسة في مدينة تعز جنوب غربي اليمن، وتضيف -في حديثها للجزيرة نت- “لم أستطع حتى الآن توفير تمر الفطور، أو حتى شراء الزبادي.. فكيف نستطيع أن نفرح بقدوم شهر رمضان، ونحن بمعدة فارغة، وهم ثقيل لا نقوى عليه؟”.
أم عمر واحدة من ملايين السكان في اليمن، الذين يستقبلون شهر رمضان المبارك للمرة التاسعة في ظل الحرب المستمرة بين الحكومة المعترف بها دوليا المسنودة بتحالف عسكري تقوده السعودية من جهة، وجماعة أنصار الله (الحوثيين) المتحالفة مع إيران من جهة أخرى.
ويأتي رمضان، وسط ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، جراء تراجع قيمة العملة المحلية، حيث بات صرف الدولار الواحد يساوي 1300 ريالا يمنيا، هبوطا من 215 ريالا فقط للدولار قبيل اشتعال الحرب.
“يزورنا رمضان جديد، وزوجي العائل لأسرتي لم يعد يقوى على العمل بسبب أمراض يعاني منها، وإن حاول العمل بالأجر اليومي في نقل الأحجار لا يتم قبوله بسبب عدم قدرته على الإنجاز”. تتابع أم عمر.
وتعود أم عمر بذاكرتها إلى ما قبل الحرب، حيث تقول “كنا حينها مستوري الحال، وما إن اندلع الصراع حتى توقفت الأعمال وانقلبت حياتنا رأسا على عقب”.
تواصل أم عمر حديثها “لدي صبيان يعملان في بيع الخضرة من خلال التجول في الحارات، ويحصلان في اليوم على قرابة ألف ريال (أقل من دولار)، ندخرها فقط لشراء الدقيق، وتوفير بعض الاحتياجات الأساسية من منظمات إغاثية وفاعلي خير”.
قسوة الحياة
في شارع جمال وسط مدينة تعز، يقف المواطن عبد الله حمادي أمام أحد المحلات، مستغرقا في التفكير حول كيفية توفير أساسيات شهر رمضان.
تسأله الجزيرة نت “ماذا أعددت لاحتياجات شهر الصيام؟” يرد الرجل الثلاثيني “حالي كحال العديد من اليمنيين، يذهب رمضان ويأتي آخر، ونحن نفكر فقط في كيفية توفير أساسيات الحياة.. هو الآن شهر كغيره من الشهور”.
وأشار إلى أنه يعمل في تنظيف السيارات، إضافة إلى عمله اليومي في ترتيب إحدى الشقق براتب يبلغ 30 ألف ريال (24 دولارا).
ولفت إلى أن دخله لا يفي بأدنى متطلبات الحياة لأسرته المكونة من 7 أفراد. “جاءت الحرب وقضت على كل فرح.. كنا قبلها نستعد لرمضان بهمة وسعادة وتوفير معظم متطلبات الحياة، أما الآن فأصبح الشهر الكريم عبئا اقتصاديا ومعيشيا رغم جماله الروحاني”، يفيد حمادي.
وحول أمنيات حمادي، يتحدث بصوت خافت يحوي أسى متصاعدا “لا نرغب سوى العيش بأمن وسلام وستر، بعيدا عن آلام الحرب وصعوبات المعيشة والاحتياج للناس.. نأمل توقف النزاع وأن يعود يمننا كما كان”.
وضع اقتصادي هش
تدهورت الظروف الاجتماعية والاقتصادية في اليمن، وتفاقمت بسبب اضطراب حركة التجارة، والنقص الحاد لإمدادات الوقود، وتراجع العمليات الإنسانية، وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي في 21 مارس/آذار الجاري.
ووفق التقرير، فقد أدى تزايد العنف وتشرذم سياسات الاقتصاد الكلي إلى تزايد الضغوط على الأوضاع الاقتصادية الهشة، ولا تزال الأزمة الإنسانية غير المسبوقة التي يشهدها اليمن مستمرة بفعل جائحة كورونا والارتفاع العالمي في أسعار السلع الأولية، مما ترك العديد من اليمنيين معتمدين على مساعدات الإغاثة وتحويلات المغتربين.
وفي ظل هذه الظروف القاسية، استطاع المواطن اليمني عبد الله محمد، بصعوبة بالغة، توفير بعض متطلبات شهر رمضان.
ويعمل الرجل الأربعيني بشكل متقطع في مجال البناء والإنشاءات بسبب تفشي البطالة. يقول للجزيرة نت إن الأعمال هذا العام منخفضة بشكل كبير عن الأعوام الماضية، “حيث نشهد ركودا كبيرا في أعمال البناء، ما تسبب في صعوبات مالية نواجهها”.
وشكا الرجل من موجة الغلاء خصوصا مع قدوم رمضان “كلما نقترب من شهر الصوم نلمس استغلالا ممنهجا من قبل التجار الذين يرفعون أسعار المواد الأساسية بشكل لا يطاق”.
وأشار إلى أن “الحرب تسببت في تدهور أوضاع الكثير من المواطنين وأصبحت حياتهم في الحضيض جراء قلة فرص العمل”. ولفت إلى أن “مساعدات المنظمات الإغاثية ساهمت في تحسين حال بعض الأسر، ولولاها لشهد المجتمع اليمني مجاعة جماعية”.
واختتم قائلا “نتمنى أن تتحسن الأوضاع التي يمرّ بها بلدنا الحبيب وتتوفر الأعمال، كي نستطيع الحصول على رغيف العيش لأسرنا”.
كفاح في سبيل البقاء
تفيد الأمم المتحدة بأن 80% من سكان اليمن البالغ عددهم 32 مليونا بحاجة إلى المساعدات، في حين تعاني المنظمات الإغاثية من نقص في تمويل عملياتها الإنسانية، ما يؤثر سلبا على حياة الكثير من الفقراء في البلد الذي يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم.
ورغم طلب الأمم المتحدة 4.3 مليارات دولار لتنفيذ خطة الاستجابة الإنسانية باليمن للعام 2023، تعهد المانحون في نهاية فبراير/شباط الماضي بتقديم 1.2 مليار دولار فقط.
ويقول علي عثمان -ناشط ميداني في المجال الإغاثي بمحافظة تعز- إن اليمنيين يستقبلون رمضان وهم يواجهون ظروفا معيشية بالغة الصعوبة، مع تناقص كبير في حجم المساعدات.
وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أن اليمنيين قبل اشتعال الحرب، كانوا يستقبلون رمضان بتواشيح وأناشيد دينية وتزيين المنازل، والاستعداد الواضح في توفير متطلبات الشهر الكريم.
واستدرك” لكن رمضان يأتي حاليا ولا نلحظ من غالبية السكان استعدادات لتوفير متطلباته، بسبب الغلاء وغياب الدخل عن كثير من اليمنيين”. وتابع عثمان “أصبح رمضان في ظل الحرب كبقية الشهور، حيث يكافح معظم اليمنيين في تلبية متطلبات الحياة الأساسية فقط من أجل البقاء”.
وأشار إلى أن ظروف الحرب أدت أيضا إلى تراجع مستوى التعاطف المجتمعي، نتيجة قلة الحيلة الاقتصادية وتحول كثير من الذين كانوا ميسورين قبل الحرب إلى فقراء حاليا.
ووفق عثمان، فإن اليمن يعاني من قلة الدعم الإغاثي مقارنة بالدول الأخرى التي تعاني ظروف حرب شبيهة، ما يؤدي إلى اتساع المأساة الإنسانية. ويعرب عثمان عن أمله بعودة السلام إلى بلاده، لاعتقاده بأن استمرار الحرب يعني مزيدا من المأساة الإنسانية في كافة شهور السنة.
وتأتي آمال اليمنيين هذا العام تزامنا مع استمرار خفض التصعيد العسكري في جبهات القتال، منذ حوالي عام، إثر تحركات أممية ودولية متواصلة بهدف إحلال السلام في البلاد.
“نتمنى أن تنتهي الحرب وتتوفر الأعمال، وأن نعيش رمضان المقبل بدون أوجاع، ويلتحق أبنائي بالمدارس، وينعموا بالعيش الرغيد” تختم أم عمر حديثها.