إسطنبول- خيّمت تداعيات الزلزال المدمر على حملات مرشحي الانتخابات الرئاسية التركية المقررة يوم 14 مايو/أيار المقبل، فمالت حملة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى الصمت بعد إعلانه تخلي حملته عن الأغاني والموسيقى التي كانت ستستخدم ضمن الدعاية الانتخابية، وذلك احتراما لضحايا الزلزال.
من جهته، أجرى مرشح المعارضة رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو زيارة إلى ملاطية إحدى الولايات الأكثر تضررا من الزلزال برفقة رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش في أول فعالية له منذ اختياره ليكون مرشحا مشتركا عن الطاولة السداسية في السادس من مارس/آذار الجاري.
وتبرز معالجة آثار الزلزال الذي أثر على ما يزيد على 13 مليون مواطن تركي بوصفها ميدانا مشتركا للتنافس بين أردوغان وكليجدار أوغلو، إذ يضع كل منهما رهانا كبيرا عليه لضمان كسب أكبر عدد من أصوات الناخبين الأتراك، ثمة رهانات أخرى يعول عليها المرشحون للرئاسة، وفي ما يلي نتناول رهانات كل من المرشحين الرئيسيين.
رهانات أردوغان
لاحظ مراقبون تراجع انشغال حملة الرئيس التركي الانتخابية ببعض الملفات الأساسية لحساب الزلزال ومعالجة تداعياته، إذ بات هذا الملف يحظى بالأهمية القصوى.
وتعهد الرئيس أردوغان مرارا بإعادة إعمار ما دمره الزلزال في الولايات الـ11 المنكوبة في ظرف عام واحد، ولا يزال يجري زيارات ميدانية تفقدية إلى تجمعات الخيام التي يقطنها المشردون بسبب الزلزال، ووعد المواطنين بنقلهم في أسرع وقت ممكن إلى بيوت جاهزة متنقلة مؤقتة.
وأعلن وزير العمران والبيئة والتغير المناخي في الحكومة التركية مراد كوروم وضع أساسات لأكثر من 21 ألف وحدة سكنية في المناطق المنكوبة ضمن خطة إعادة إعمار هذه المناطق.
إعادة إعمار ما دمره الزلزال
يقول الكاتب والصحفي التركي محمد طاهر أوغلو إن الحسابات الانتخابية بعد الزلزال اختلفت عما قبله، فخطة حكومة العدالة والتنمية الحالية تركز على كيفية عودة الوضع إلى طبيعته في مناطق الزلزال وإيواء الملايين وتوفير الحوائج الضرورية لهم وتنفيذ خطة بناء آلاف الشقق.
ويضيف طاهر أوغلو -في تصريح للجزيرة نت- أن الرئيس أردوغان يريد أن تركز الحملة على التجاوب مع تبعات الزلزال، ولذلك أرادها حملة بدون موسيقى وحفلات احتراما لأرواح الضحايا، وهي في الوقت نفسه خطوة مدروسة يتوقع أن تصب في رصيد أردوغان في الانتخابات الرئاسية.
ويرى الكاتب أن أردوغان بات يراهن على الإنجازات التي حققتها حكوماته في ما يتعلق بالتحول الحضري وأخذ التدابير ضد الزلازل، وإلقاء اللوم على بلديات المعارضة التي كانت تقف ضد مشاريع التحول الحضري.
وفي الإطار نفسه، رجح المحلل السياسي المتخصص في الشأن التركي فراس رضوان أوغلو أن الحملات الانتخابية للمرشحين الرئاسيين ربما تميل إلى الصمت باعتباره الخيار الأفضل في ظل وجود كارثة إنسانية، لكن هذا قد يختلف عند الوصول إلى الشهر الأخير قبل الانتخابات.
وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أن الإسراع في عمليات الإنشاء والبناء في الولايات المنكوبة هو ما سيشكل فارقا في كسب أصوات الناخبين في هذه الولايات التي لن يهتم أبناؤها كثيرا بأي وعود خارج هذا الإطار، ولذلك لن يتم التركيز كثيرا على الإنجازات السابقة، حسب رضوان أوغلو.
الإنجازات السابقة
لكن رجل الأعمال والكاتب التركي يوسف كاتب أوغلو يرى أن الانشغال بمعالجة تداعيات الزلزال لا يعني عدم مراهنة الرئيس أردوغان على إنجازاته السابقة.
ويقول للجزيرة نت إن “أردوغان يراهن على ما قدمه من إنجازات على مدى 20 عاما وهو في سدة الحكم، فإنجازاته ماثلة للعيان وهي موجهة لجميع الشعب التركي، ولا يمكن لأحد أن ينكرها حتى أعداؤه”.
وبحسب كاتب أوغلو، فإن إنجازات أردوغان تشمل الملف التعليمي والبنية التحتية والطاقة والصناعات الدفاعية، وتكنولوجيا الفضاء.
وعلى صعيد الدور الخارجي الذي باتت تضطلع به تركيا في عهد أردوغان، اعتبر الكاتب التركي أن البلاد “أصبحت دولة إقليمية كبرى وموجودة في كل ملف ساخن، وهذا بسبب كاريزما وثقل أردوغان عالميا”.
رهانات كليجدار أوغلو
ويراهن مرشح المعارضة ورئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو أيضا على تداعيات الزلزال، لكن من زاوية ما يراه معارضون تلكؤ الحكومة وبطء استجابتها للكارثة.
كما يراهن المرشح المشترك للمعارضة على توحيد المعارضة خلفه مع تنوع مشاربها، وأيضا ما تعتبره المعارضة نقاط ضعف لدى أردوغان وحزبه، لا سيما التراجع الاقتصادي الذي تشهده البلاد مؤخرا.
تداعيات الزلزال
ويعتقد القيادي في حزب المستقبل (أحد أحزاب الطاولة السداسية) ألب تكين هوجا أوغلو أن “الزلزال أظهر مدى عجز النظام الرئاسي عن الاستجابة إلى الحالات الطارئة”.
وأوضح للجزيرة نت أن برنامج المعارضة للرئاسة مختلف من ناحية المفهوم عن برنامج التحالف الحكومي، فالمعارضة، بحسب هوجا أوغلو، تطرح مفهوم مجلس رئاسي مشترك غير معلن بشكل رسمي، مقابل مفهوم إدارة فردية تحوز الصلاحيات كافة.
من جهته، يؤكد النائب السابق عن حزب الشعب الجمهوري دورسون تشيشيك أن جوانب الضعف في الاستجابة لكارثة الزلزال شكلت “نقطة قوة” لصالح كليجدار أوغلو.
أصوات الأكراد والعلويين
ويرى تشيشيك، في تصريح للجزيرة نت، أن كليجدار أوغلو يحظى بميزة تتمثل في أن الطاولة السداسية التي سمته مرشحا مشتركا لها تضم معظم أحزاب المعارضة من مختلف التيارات.
من جهته، يقول هوجا أوغلو إن المعارضة تعوّل على تكرار سيناريو رئاسة بلدية إسطنبول عام 2019 عندما فاز أكرم إمام أوغلو في جولة الإعادة برئاسة البلدية وبفارق 9% عن الأصوات التي حصدها في الجولة الأولى، نتيجة عدم تقديم حزب الشعوب الديمقراطية الكردي مرشحا له لهذا المنصب.
ويعتقد القيادي المعارض أنه في حال لم يقدم هذا الحزب مرشحه لرئاسة الجمهورية فيمكن أن يفوز كليجدار أوغلو من الجولة الأولى، واصفا حزب الشعوب الديمقراطية في هذا الصدد بأنه “بيضة القبان”.
وأشار إلى أن ارتباط أردوغان بحلفائه القوميين مثل دوغو بيرينتشك ودولت بهتشلي سبّب تذمرا لدى شريحتين واسعتين، الأكراد والعلويين، وهؤلاء مجموع أصواتهم يزيد على 30%.
وفي حين يعول كليجدار أوغلو على ضم أصوات الأكراد وبقية اليسار إليه، حسب الكاتب والصحفي طاهر أوغلو، فإن هناك مؤشرات لإمكانية نجاح مفاوضات من هذا النوع مع حزب الشعوب الديمقراطي، لكن من غير المؤكد إذا ما كان سيستمر في ظل معارضة قوميي حزب الجيد.
كما أن أصول كليجدار العلوية قد تضمن له تصويتا كبيرا من الطائفة في تركيا، وفي الوقت نفسه قد تكون عائقا أمام تصويت ناخبين آخرين من غير الطائفة.
التراجع الاقتصادي
وبينما تشهد البلاد موجة تضخم قياسية منذ نحو عامين، اعتبر القيادي في حزب المستقبل هوجا أوغلو أن “الرأي العام التركي يشعر بالتراجع الاقتصادي، والطبقة الوسطى تضاءلت جدا وازدادت شريحة الفقراء”، مضيفا أن “الاقتصاد سيؤثر بشكل كبير على الناخب التركي”.
وتوقع الكاتب طاهر أوغلو أن تركز المعارضة على نقطة عدم تحقق كثير من وعود وأهداف 2023، مثل دخل الفرد وخفض البطالة والتضخم وغير ذلك، رغم أن أزمات مثل كورونا وحرب أوكرانيا أسهمت بشكل ما في تفاقم الأزمة الاقتصادية الموجودة أصلا.