زيارة المقداد للقاهرة.. هل تمثل تحضيرا لعودة مقعد سوريا في الجامعة العربية؟ | سياسة

القاهرة- ضمن سلسلة من التحولات السياسية والدبلوماسية التي تشهدها المنطقة مؤخرا، وصل وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد إلى القاهرة، في وقت يميل فيه مراقبون إلى أن إعادة دمج سوريا في السياسات الإقليمية “ربما باتت مسألة وقت”.

زيارة المقداد لمصر هي الأولى لوزير خارجية سوري منذ 12 عامًا، ويبحث خلالها دعم التعاون والتطورات الأخيرة بالمنطقة، كما تأتي بعد نحو شهر من زيارة نوعية قام بها نظيره المصري سامح شكري لسوريا وتركيا تضامنًا معهما على خلفية الزلزال المدمر الذي ضربهما، وقبلها اتصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنظيره السوري بشار الأسد بعد الزلزال.

ومؤخرا، زاد التواصل العربي مع النظام السوري، في وقت قال فيه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان -الذي تستضيف بلاده القمة العربية المقبلة في مايو/أيار المقبل- إن زيادة التواصل مع سوريا قد يمهد الطريق لعودتها إلى الجامعة العربية مع تحسن العلاقات بعد عزلة تجاوزت 10 سنوات، لكن من السابق لأوانه في الوقت الحالي مناقشة مثل هذه الخطوة.

وفي حين تعد القاهرة من أبرز الداعمين لنظام الأسد؛ إذ سبق أن أكدت في أكثر من مناسبة تطلعها إلى “عودة سوريا إلى محيطها العربي”، فإن مواقف الدول العربية لا تزال متباينة بشأن رفع التجميد.

دلالة التوقيت

حول أهداف الزيارة ودلالة التوقيت، يوضح مساعد وزير الخارجية الأسبق رخا أحمد حسن أنها تأتي من الناحية المراسمية بمثابة رد على زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى سوريا في فبراير/شباط الماضي.

وأضاف حسن -وهو عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية- في حديث للجزيرة نت أن الزيارة تناقش بالدرجة الأولى العلاقات الثنائية، ثم العلاقات العربية، ثم الإقليمية والدولية.

واستكمالا لما جرى من مباحثات في دمشق، فإن شكري والمقداد سيبحثان العلاقات الثنائية في ملفات عدة، منها مدى إمكانية زيادة التبادل التجاري بين البلدين، ومدى إمكانية مساهمة مصر في إعادة الإعمار في سوريا، والتطورات التي وصلت إليها مساعي حلحلة الأزمة، سواء بالنسبة للدستور أو المرحلة الانتقالية وغيرها، وفق الدبلوماسي المصري.

Egyptian Foreign Minister Sameh Shoukry meets with Syrian Foreign Minister Faisal Mekdad in Cairo
دبلوماسي مصري سابق: الاحتمالات مفتوحة بشأن رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة ودمشق (رويترز)

انفراجة قريبة

وقال حسن إنه في ضوء ما يتردد من أنباء بقيام الأسد بزيارة للقاهرة، كما زار سابقا الإمارات وسلطنة عمان، تبقى الاحتمالات مفتوحة بشأن رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين مصر وسوريا، لكن هل تتم تسمية السفراء الآن (خلال زيارة المقداد) أو الانتظار حتى تتم زيارة الأسد للقاهرة؟

وبالنسبة لما يثار عن عودة مقعد سوريا في الجامعة العربية، شدد حسن على أن بلاده من الدول التي ترحب بذلك، مشيرا إلى حدوث نوع من الانفراجة بعد الحديث عن استعداد السعودية لإعادة فتح قنصليتها في دمشق بعد شهر رمضان الجاري، وتبقى كل الاحتمالات مفتوحة لمزيد من الانفراجة في العلاقات المصرية السورية أو على المستوى العربي.

لكنه استدرك بالقول إن ملف سوريا في الجامعة العربية يبقى واحدًا من ملفات الزيارة، كونه لا يرتبط بمصر وحدها، في ضوء تحفظ دول عربية تجاه عودة مقعد سوريا بالجامعة، مضيفًا “ربما تسهم الأيام القادمة حتى 14 مايو/أيار في حلحلة هذا الموقف”.

وحول أبعاد الزيارة بشأن ما يثار عن طبيعة العلاقات المصرية الإيرانية مؤخرًا، أوضح الدبلوماسي السابق أن بلاده لديها اتصالات مباشرة لم تنقطع مع طهران، وتوجد مكاتب رعاية مصالح متبادلة يرأسها سفراء، مشيرًا إلى أن هناك بوادر انفراجة في العلاقات آخرها إقرار بلاده تسهيلات لصالح السياح الإيرانيين لزيارة مصر، وذلك في سياق أن جميع دول الخليج -تقريبا- استردت علاقاتها مع إيران.

وعند سؤاله: هل يؤدي التسارع العربي في التطبيع مع نظام الأسد إلى إفلاته من المحاسبة؟ شدد السفير المصري على أن ذلك “يعبر عن قضية شائكة للغاية”، محملا الولايات المتحدة مسؤولية الدمار في سوريا، واختراق المواثيق الدولية، وحشد المرتزقة.

 

وكانت واشنطن أطلقت الشهر الماضي ما أسمته “شهر المحاسبة” للتأكيد على محاسبة نظام الأسد على “الجرائم بحق السوريين”.

وأضاف حسن أن “أميركا لم تفعل شيئا للعالم العربي على مدار 20 عامًا، إلا إشعال الأزمات، والأفضل لها ولمصالحها إن لم تقدم شيئًا إيجابيًا فلتصمت، لأنها تعرقل أن يلتئم العالم العربية وتنمية قدراته بدلا من استنزافه في سوريا أو اليمن أو في ليبيا أو العراق”، وفق قوله.

Egypt's Foreign Minister Sameh Shoukry in Damascus
وزير الخارجية المصري سامح شكري (يسار) زار سوريا وتركيا عقب كارثة الزلزال (رويترز )

دمج سوريا

في سياق غير بعيد، ذهب الخبير في العلاقات الدولية محمد الزواوي إلى القول إن الزيارة تأتي في ظل تحولات جذرية في التحالفات الإقليمية، لا سيما بعد الاتفاق السعودي الإيراني الأخير.

ويعتقد الزواوي أن إعادة دمج سوريا في السياسات الإقليمية “ربما باتت مسألة وقت”، ورغم عدم فاعلية النظام في السياسات الداخلية والإقليمية، إلا أن داعميه الإقليميين والدوليين أسهموا بإدخاله في الصفقات الجارية، كما أن الأهمية الجيوإستراتيجية للدولة السورية ومكانها على الخارطة فرض وجودها، ولم يعد ممكنًا تجاهلها في مختلف الملفات بعد 10 سنوات من الثورة السورية.

ويرى الزواوي أن عودة المقعد السوري للجامعة العربية باتت هي كذلك مسألة وقت ليس إلا، سواء في القمة المقبلة أو التي تليها، بوصفها ورقة تفاوضية لمختلف الأطراف في ما يتعلق بإعادة ترتيب خارطة التحالفات الإقليمية.

كما أن التوجه الأميركي للإبقاء على نظام الأسد خشية حدوث فوضى مماثلة للوضع الليبي نتيجة فراغ السلطة وملئها بالمليشيات المسلحة؛ جعلت من الصعب محاسبة نظام الأسد، حيث إنه لا يزال يلعب دورًا وظيفيًا في لملمة شتات الدولة السورية، ومن ثم فإن الحفاظ على البنية السياسية الحالية للنظام السوري تبدو محل توافق إقليمي ودولي، حسب الزواوي.