نابلس- لم تكد تمر ساعة على خروجه لرعي أغنامه حتى أعاد الحاج رياض بني جابر ماشيته إلى حظيرتها، بعد أن انحسرت المناطق الرعوية في قريته يانون قرب نابلس (شمال الضفة الغربية)، وصار خطر المستوطنين واعتداءاتهم يطوله كلما حاول الاقتراب من أرضه.
ولم يكتف المستوطنون القادمون من بؤرة “جفعات أرنون” بمنع الحاج رياض من الوصول لأرضه، بل لاحقوه إلى منزله وضربوه، في مشهد بات يتكرر يوميا مع أهالي يانون، لا سيما بعد أن شرعنت الحكومة الإسرائيلية المستوطنة و8 بؤر أخرى بمناطق مختلفة من الضفة الغربية منتصف الشهر الماضي، وتغير اسمها من “777” إلى “جفعات أرنون”.
ولم يمنع رياض بني جابر من رعي أغنامه أو الوصول لأرضه المعروفة باسم “كروم منصور” والمقدرة بنحو 15 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع) بل حرمه المستوطنون من زراعة أشتال زيتونه التي ابتاعها مؤخرا، لتظل ملقاة أمام منزله.
ويقول رياض (60 عاما) للجزيرة نت إن اعتداءات المستوطنين وتصعيدهم الأخير دفعاه -مثل كثير من سكان قريته- لبيع أغنامه، وأنه ومن 150 رأسا كان يملكها لم يعد لديه سوى 20 فقط.
ويضيف “وصل الأمر بالمستوطنين أن هاجموا مواطنا ملأ خزان ماء له من بئر قريبة من البؤرة الاستيطانية، فلاحقه المستوطنون وأجبروه على إعادته للبئر، وحذَّروه من الاقتراب ثانية”.
عنف قبل التشريع وبعده
وما يفعله المستوطنون ضد أهالي يانون غيض من فيض، وأن الاعتداءات كما يقول راشد مُرَّار الناشط ضد الاستيطان في يانون ليست إلا للتغطية على تكثيف توسع البناء الاستيطاني، خاصة بالمنطقة الشرقية لمستوطنة جفعات أرنون.
وفي خيمة صغيرة بدأت “جفعات أرنون” أواخر تسعينيات القرن الماضي، وحملت اسم “777”، ثم توسعت لتمتد الآن على مساحة واسعة من أرض يانون والقرى المحيطة.
ورغم ادعاء الاحتلال وبعد إنشائها بسنوات أنه ينوي إزالتها، فإن ذلك كان “خدعة كبيرة” في وصف مرار، الذي يقول “إن البؤرة زادت نموا وقضما للأرض، ولاحظنا توسع البناء الاستيطاني -خاصة الإسمنتي- أكثر بعد التشريع”.
ويصادر الاحتلال ويضع يده على أكثر من 85% من مساحة أراضي يانون المقدرة بـ16 ألفا و453 دونما لصالح 4 مستوطنات، هي “جفعات عولام” و”جدعونيم” و”جفعات أرنون” و”إيتمار كوهين”، و15% المتبقية من الأرض لا يملك المواطنون الوصول إلا إلى 7% فقط، وما تبقى يحتاج لتنسيق أمني لدخوله، ويقابل غالبا بالرفض أو يأتي بعد فوات الأوان.
ويقول مُرَّار “خلال موسم الزيتون، انتهت فترة التنسيق قبل أن يسمح لي جيش الاحتلال بدخول الأرض، وعندما ذهبت وجدت المستوطنين يقطفون ثمارها بحماية الجنود”.
“زواج عرفي” وأعلنوه
وفي المقابل، تقلَّصت مساحة الرعي للمواطنين، واستهدف المستوطنون محاصيلهم الزراعية، خاصة المستخدمة كأعلاف لماشيتهم التي ابتاعوا معظمها، وتحت وتيرة الضغط والملاحقة والمنع من البناء هجر السكان القرية.
وأحاط الأهالي أراضيهم بالأسيجة وإطارات المركبات لمنع أغنامهم من الوصول لمناطق المستوطنة المحظورة، خشية مصادرتها أو قتلها، لتظل محبوسة في حظائرها معظم الأوقات بينما تنشط أغنام المستوطنين ومشاريعهم الزراعية وتمد بأحدث التقنيات.
ثمة تحولات كبيرة في المستوطنة المشرعنة، لم نشهدها في زيارات سابقة للقرية المستهدفة؛ أبنية آخذة في النمو والتطور ولم تعد تقتصر على البيوت المتنقلة، واعتداءات لا ينفك يمارسها المستوطنون وحرَّاس الأمن هناك الذين يجوبون بدورياتهم محيط المستوطنة ويرصدون تحركات المواطنين عبر كاميرات وأبراج مراقبة عسكرية.
ويقول مُرَّار إن “هذه المستوطنة قائمة وتصادر آلاف الدونمات ومستوطنوها يعتدون علينا منذ ربع قرن، والآن جاء الاحتلال ليشرعنها، هذا هراء، كان زواجا عرفيا والآن أعلنوه”.
ويضيف أن تمدد هذه المستوطنة لم يتوقف يوما، لكنه تصاعد مؤخرا وصار البناء إسمنتيا، وزودت بخدمات البنية التحتية كاملة، وأقيمت بها نقاط عسكرية لجيش الاحتلال.
ومثل “جفعات أرنون” شرعن الاحتلال بؤرتي “أفيجايل وعشهال” في مدينة الخليل، و”ملاخيه هشالوم” على أراضي قرية المغير شرق رام الله، وبيت حجلة في أريحا و”متسبيه يهودا” بالقدس و”سدي بوعز” في بيت لحم.
تقطيع القرى وعزلها
وتواجه بلدات سنجل وقريوت بين نابلس ورام الله كذلك شرعنة لبؤرتي “جفعات هرئيل” و”جيفعات هروعيه”، واللتين تجثمان على أراضي المواطنين منذ 15 عاما.
وهاتان البؤرتان -كما يقول بشار القريوتي الناشط ضد الاستيطاني بجنوب نابلس- كانتا من أصل 7 بؤر أخرى و4 مستوطنات ضخمة تُسيطر على 17 ألف دونم من أراضي بلدته قريوت وحدها من أصل 22 ألف دونم هي كل مساحة القرية، التي لم يعد سكانها يسيطرون عمليا سوى على 366 دونما هي المخطط الهيكلي للقرية.
وهذه الشرعنة -كما يضيف القريوتي- لا تهدف إلى السيطرة على كل الأرض الواقعة بينها فحسب، بل ربط التكتلات الاستيطانية الضخمة ببعضها، ومدها بمخططات هيكلية وتوسعتها عبر شبكة طرق التفافية تربط المستوطنات ببعضها، وبالتالي قطع أوصال الأراضي الفلسطينية وفصل القرى عن بعضها.
وإضافة إلى السيطرة على الأرض، يسعى الاحتلال -وفق عبد الله أبو رحمة منسق العمل الشعبي بهيئة الجدار والاستيطان (هيئة رسمية)- للحد من تواجد الفلسطينيين بها عبر هذه البؤر، التي جاءت بعد أن فشل الاحتلال في تهجير المواطنين عبر هدم منازلهم، خاصة بالتجمعات البدوية وسرقة أراضيهم الرعوية والزراعية.
الهدف واحد
وعلى شكل أحياء كاملة وملاصقة للمستوطنات الأم الكبرى، وجدت بعض هذه البؤر واستخدمت لأغراض سياسية؛ فبينما كان يتذرع الاحتلال بأنه جمَّد الاستيطان أخذ يتوسع عبر هذه البؤر ويدعي أنها غير قانونية، ليقوم لاحقا بضمها للمستوطنات الرئيسية ومدها بالمخططات الهندسية والبنية التحتية.
ثم أخذت شكل “بؤر الرعاة” أو “البؤر الزراعية” التي بدأت قبل 10 سنوات وتتجاوز 65 بؤرة الآن، وأقيم بعضها منفردا أو فوق معسكرات لجيش الاحتلال كـ”ملاخي هشالوم” شرق مدينة رام الله التي شرعنت مؤخرا، وتكمن خطورتها في استهدافها مناطق ذات كثافة سكانية فلسطينية أقل، لا سيما مناطق الأغوار وشفا الغورية، وسيطرتها على مساحات واسعة من الأرض أو “إلى حيث تصل أغنام المستوطنين وماشيتهم”.
في عموم الضفة الغربية وشرق القدس تنتشر 185 مستوطنة، و177 بؤرة استيطانية اتخذها الاحتلال ذريعة لتوسيع استيطانه وضم أراضي الفلسطينيين لتشرعن لاحقا.