مراسلو الجزيرة نت
طهران- بعد أسبوع من تمثيله طهران في محادثات بكين التي أسفرت إعلانا عن قرب استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، أجرى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، مباحثات رفيعة المستوى في الإمارات، ما طرح تساؤلات كبيرة عن تقاطع مهامه مع عمل وزارة الخارجية الإيرانية.
وعلى ضوء التقارب بين إيران ودول خليجية، أفادت وكالة “إرنا” الرسمية بأن شمخاني سيزور العراق خلال الأيام القليلة المقبلة، ما سلّط الأضواء على أمين المجلس الأعلى للأمن القومي كمهندس لتطبيع علاقات طهران مع الجوار العربي.
في غضون ذلك، تساءلت صحيفة “آرمان ملي” المحلية عما إذا تم تفويض مجلس الأمن القومي بالسياسة الخارجية الإيرانية، مؤكدة أن المهام الموكلة إلى شمخاني تكمن في صلب مهام وزارة الخارجية، ما يشي بعدم الرضا عن أداء الوزارة، وما أدى بالسلطات العليا أن توكل مهمة تطبيع العلاقات مع الدول الإقليمية إلى سياسي محنك.
تقاطع المهام
وفي افتتاحيتها تحت عنوان “من يمسك بزمام السياسة الخارجية؟”، نوّهت الصحيفة الإيرانية إلى أنه خلافا لمساعي صقور المحافظين الرامية لإقالة السياسي المحسوب على التيار الإصلاحي خلال الأشهر الماضية، فإن شمخاني تمكّن من حلحلة أكثر الملفات تعقيدا في سياسة إيران الخارجية على المستوى الإقليمي.
وبالرغم من تأكيد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أن لا خلاف بشأن سياسة بلاده الخارجية، فإن مهمة شمخاني الأخيرة تلقي بظلالها على مكانة وزارة الخارجية، وفق الصحيفة التي تذكّر بأن الوزير السابق محمد جواد ظريف، لم يكن يقبل بسياسة موازية تتقاطع مع مهام وزارته.
وردا على بعض التساؤلات التي أثارتها الصحافة الفارسية بشأن غياب الخارجية الإيرانية عن مباحثات شمخاني الإقليمية، نفى عبد اللهيان وجود أي خلافات على سياسة البلاد الخارجية، وكتب في تغريدة على تويتر أن زيارة شمخاني إلى الإمارات والعراق تأتي في إطار العلاقات الأمنية القائمة وليست ظاهرة جديدة، مؤكدا أن “التنسيق في السياسة الخارجية قائم وكل شيء يتم بنظام وتحت إشراف رئيس الجمهورية”.
من ناحيته، يرى الدبلوماسي الإيراني والسفير الأسبق في بريطانيا، جلال ساداتیان، أن تخويل مجلس الأمن القومي للقيام بالمهام التي تندرج في صلب عمل وزارة الخارجية يقوّض مكانة الأخيرة، مؤكدا أن تقاطع المهام بين مؤسسات الدولة يكشف عن إخفاق المؤسسة الأولى في إنجاز واجباتها.
تأتي زيارة الأدميرال شمخاني إلى الإمارات والعراق في إطار العلاقات الأمنية القائمة وليست ظاهرة جديدة. ويرافقه ممثل وزارة الخارجية في زياراته. التنسيق في السياسة الخارجية قائم وكل شيء يتم بنظام وتحت إشراف رئيس الجمهورية. فليعرف الأعداء أنه لا يوجد خلاف.
— H.Amirabdollahian امیرعبداللهیان (@Amirabdolahian) March 17, 2023
الثقافة واللغة
وفي حديثه للجزيرة نت، يقرأ ساداتيان زيارات شمخاني الدبلوماسية في سياق القرارات التي تتخذها السلطات الإيرانية العليا لتجاوز المرحلة الدقيقة الراهنة حيث تتزايد الضغوط الخارجية على طهران، مؤكدا أن وزارة الخارجية لا تنفرد بسياسة البلاد الخارجية، وأن لمؤسسات الدولة باعا طويلا في تقويم السياسات الحكومية.
ويوضح ساداتيان، أن من وصفهم بـ”المتطرفين” الذين قاموا بمهاجمة مقر السفارة السعودية في طهران قبل 7 سنوات يتمتعون بنفوذ كبير في التيار المحافظ، وأن تخويل مجلس الأمن القومي بملف تطبيع العلاقات بين طهران والرياض قد أبعد الضغوط عن وزارة الخارجية وحكومة إبراهيم رئيسي.
ولدى إشارته إلى زيارة شمخاني عام 2000 إلى السعودية ونتائجها الإيجابية على تعزيز العلاقات الثنائية، خلص ساداتيان إلى أن شمخاني يتمتع بطاقة كبيرة على تذليل العقبات في العلاقات الإيرانية العربية، نظرا إلى لغته العربية وخبرته بالثقافة العربية.
السياسة الخارجية
في المقابل، يرى السفير الإيراني الأسبق في ليبيا جعفر قناد باشي أن مهمة شمخاني تتوافق مع سياسة بلاده الرامية إلی تحييد حقائب الخارجية والأمن والداخلية عن المنافسة السياسية وإخضاعها لمؤسسات الدولة، مؤكدا أن لدى مجلس الأمن القومي سلطة دولة وليس تابعا للحكومة شأنه شأن وزارة الخارجية، مستدركا بأن مؤسسات الدولة تتعاون وفق تنسيق مسبق على أعلى المستويات.
وأوضح قناد باشي -في حديثه للجزيرة نت- أن ممثل الخارجية الإيرانية يواكب شمخاني في زياراته، وأنه لا يوجد بروتوكول موحد لتطبيع العلاقات بين الدول من بوابة وزارة الخارجية فحسب، وقد تكون الأولوية للأوساط الأمنية أو الاقتصادية إذا اقتضى الأمر.
وقال إن سياسة البلاد الخارجية على تنسيق مستمر مع مكتب المرشد الإيراني الأعلى آية الله خامنئي، وإن شمخاني يمثل مكتب المرشد الأعلى في مجلس الأمن القومي الإيراني.
موانع وتحديات
ووفق افتتاحية صحيفة “آرمان ملي”، إذا صحّت التقارير عن تكليف شمخاني بمهمة تطبيع علاقات بلاده مع دول الجوار إثر إخفاق وزارة الخارجية الإيرانية في حلحلة القضايا الشائكة، حينها ستكون الحكومة أمام 3 تحديات كبرى خلال الفترة المقبلة، كالتالي:
- وزارة الخارجية إحدى الواجهات الرئيسية للحكومة، لكن انتماء الوزير حسين أمير عبد اللهيان إلى التيار المحافظ وقربه من “جبهة الصمود” سيصعّب على الرئيس إبراهيم رئيسي تغييره خشية تزايد الانتقادات لحكومته.
- قد تكون هناك خيارات أقوى من عبد اللهيان تفرض على رئيسي أن يأخذ الطاقات السياسية لدى القوى الأخرى بعين الاعتبار.
- الحكومة قامت بدعاية كبيرة بشأن إنجازاتها على صعيد السياسة الخارجية، وقد يشوّه تغيير عبد اللهيان نتائج تلك الدعاية، مما يوجب إبقاءه على رأس حقيبة الخارجية على أن يقوم شمخاني ببعض المهام الإقليمية.