غداة تأجيل توقيع الاتفاق السياسي.. ما رسائل مظاهرات ذكرى 6 أبريل في السودان؟ | سياسة

الخرطوم- أفاقت العاصمة السودانية، الأربعاء، على مشاهد حشد عسكري لافت تصحبه تحركات قطع عسكرية ثقيلة من شمال العاصمة إلى قلب الخرطوم حيث مقر قيادة الجيش والقصر الرئاسي والمرافق الحكومية، ما ضاعف حالة القلق والترقب حيال ما يمكن أن تحمله الساعات التالية من تطورات في ظل الإعلان عن تأجيل توقيع الاتفاق السياسي النهائي بين المكون العسكري وقوى مدنية بقيادة تحالف قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي-الذي كان محددا الخميس.

ومع الاستعداد والدعوات المتلاحقة لإحياء ذكرى 6 أبريل/نيسان الذي شهد بداية العد التنازلي لنهاية حكم الرئيس السابق عمر البشير المعزول في 11 أبريل/نيسان 2019 تمدد الانتشار العسكري حول محيط القصر، كما شوهدت في اليوم السابق دبابات محملة على شاحنات تشق طريقها إلى مناطق تمركز جديدة قرب القيادة العامة للجيش.

وتترافق تلك التحركات العسكرية مع استمرار الخلافات بين الجيش وقوات الدعم السريع حول المدة التي يتعين فيها دمج القوات الأخيرة في القوات المسلحة السودانية والقيادة ومن يحق له السيطرة على تحركاتها وهي الخلافات التي أعاقت التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي حيث كان مقررا أن تضمن توصيات ورشة الإصلاح الأمني والعسكري في الاتفاق الذي أكملت القوى المدنية تنقيحه وصياغته في انتظار تفاهمات العسكر.

ورغم التعزيزات العسكرية الكبيرة، شهدت نقاط التجمع في الخرطوم وأم درمان توافد أعداد كبيرة من المتظاهرين في نهار رمضان الحار تردد هتافات رافضة للعملية السياسية و”داعية للإطاحة بالعسكر من سدة الحكم”.

وبينما مرت تجمعات الخرطوم المتجهة لشارع المطار بهدوء خلال أول ساعتين من بدء الموكب وتزايد الحشد بوصول أعداد كبيرة من مناطق مختلفة في العاصمة، قوبلت الحشود في أم درمان بقمع مفرط من قوى الأمن التي انتشرت بكثافة للحيلولة دون وصول المتظاهرين لمقر البرلمان، بحسب شهود عيان.

كانت قوى “ثورة ديسمبر” قد دعت في بيان لأن تكون ذكرى الانتفاضة محطة حاسمة نحو “إسقاط الانقلاب” ببناء أوسع جبهة شعبية من قوى الثورة بتفعيل وسائل النضال السلمية لبلوغ الإضراب السياسي والعصيان المدني، فيما طالبت قوى الحرية والتغيير الأجهزة الأمنية والعسكرية بحماية المواكب الشعبية، محذرة من أي تعامل عنيف بأي درجة من الدرجات تجاه المشاركين في تلك المواكب.

لجان المقاومة دعت لاحياء ذكرى 6 ابريل رفضا للتسوية مع العسكر (الجزيرة)
لجان المقاومة دعت لإحياء ذكرى 6 أبريل رفضا للتسوية الجارية حاليا (الجزيرة نت)

لا مناص من المواجهة

وبحسب مصدر عسكري تحدث للجزيرة نت فإن رئيس مجلس السيادة في السودان عبد الفتاح البرهان رغب من خلال استعراض القوة العسكرية في بعث رسالة تؤكد سيطرة الجيش على الأوضاع، فهو يدرك أن عدم توقيعه على الاتفاق سيواجه معارضة قوية من السياسيين والمجتمع الدولي وعند توقيعه كذلك سيواجه أيضا معارضة كبيرة من أطراف أخرى رافضة للاتفاق فكان لا مناص من مواجهة ذلك بمنطق القوة.

وفي أول تعليق له حيال هذه الخلافات وتأخير الاتفاق، قال البرهان في خطاب صبيحة الخميس بمناسبة ذكرى 6 أبريل/نيسان إن التأجيل الذي صاحب توقيتات التوقيع على الاتفاق السياسي لا تقصد سوى “وضع الأطر المتينة التي تحافظ على زخم الثورة وعنفوانها”، مؤكدا أن الأطراف تعمل الآن بجد لإكمال النقاش حول الموضوعات المتبقية.

وجدد البرهان تأكيد العزم على استكمال العملية السياسية التي تجري الآن بالسرعة المطلوبة بما يوصد الأبواب على كل محاولات الردة.

في المقابل وبأجندات متقاطعة، تداعت تنظيمات سياسية ولجان مقاومة للخروج في مواكب لإحياء ذكرى 6 أبريل/نيسان الذي شهد في العام 1985 سقوط حكم المشير جعفر نميري في انتفاضة شعبية، كما أن ذات التاريخ شهد بداية الاعتصام في محيط القيادة العامة العام 2019 والذي مهد لسقوط نظام البشير في 11 أبريل/نيسان من ذات العام.

نقاط التجمع في الخرطوم وأم درمان شهدت توافد أعدادا كبيرة من المتظاهرين (الجزيرة)
نقاط التجمع في الخرطوم وأم درمان شهدت توافد أعداد كبيرة من المتظاهرين (الجزيرة)

مشهد مضطرب

ويصف كبير مفاوضي تجمع قوى تحرير السودان إبراهيم زريبة المشهد السياسي الراهن بالاضطراب والقتامة بسبب التجاذبات، لافتا إلى أن الصراع العسكري هو الأخطر وقد يؤدي لكارثة كبيرة، بينما التنافس السياسي بين القوى المدنية يمثل ظاهرة عادية لاسيما في مرحلة الانتقال ويمكن حسمه بصناديق الانتخابات.

وينبه زريبة في تصريح للجزيرة نت، لوضوح تأثير المكون العسكري علي المشهد ومحاولة توجيهه من جديد بما يشكل انتكاسة عن التزاماته بالخروج من المشهد السياسي، كما يؤكد أن 4 سنوات بعد الإطاحة بنظام البشير أفرزت محصلة ضئيلة لكنها غير مثبطة للهمم فالثورة مستمرة وحددت أهدافها بدقة لتحقيق غاية التغيير.

عجز عن التوافق

في آخر أيام حكم البشير بدت الحاجة قوية لإصلاح النظام، كما يقول المتحدث باسم مبادرة نداء أهل السودان هشام الشواني، ويضيف أن القيادة عجزت في ذلك الوقت عن الإصلاح لتذهب الأمور نحو سيناريو الثورة الشعبية، وبعد سقوط النظام كان لا بد من التوافق السياسي الوطني كبداية للمرحلة الانتقالية مع غياب أي شرعية سياسية لقوى معينة.

ويرى الشواني، في حديثه للجزيرة نت، أن قصر فكر ونظر القوى السياسية في تحالف الحرية والتغيير عن التوافق ذهب بالبلاد نحو فوضى في كافة المستويات.

وتحيط بالدولة حاليا ووفقا للشواني مهددات وجودية كبرى تبدأ من التدخل الأجنبي مرورا بتعدد حاملي السلاح وتمدد جيش نظامي شبه مستقل عن مؤسسة الجيش الوطني في إشارة لقوات الدعم السريع علاوة على تراجع كافة آليات السياسة الحزبية الديمقراطية وتمدد شعبوية فوضوية هائجة غير عقلانية.

قضايا معلقة

يشير المحلل السياسي عبد الله رزق إلى بروز “القضايا المعلقة” كعبارة جديدة في خطاب الفرقاء الذين عجزوا عن الإيفاء بموعد التوقيع على الاتفاق النهائي، مضيفا أن تلك القضايا ستظل لوقت طويل، مصدرا للتوترات على سطح الحياة السياسية.

ويرى رزق، في تصريح للجزيرة نت، أن المناورات على هامش الاختلاف والتأجيل، من القوى العسكرية وشبه العسكرية تمثل تعبيرا فاضحا عن الخلافات الظاهرة والمخفية وما يرافقها بشكل خاص من تحشدات وتحشدات مضادة، كما تمثل مظهرا مهما للصراع على السلطة وتفاقمه، بغض النظر عن الذرائع التي يتغطى بها، وتشكل في مجموعها مهددا لاستمرار العملية السياسية ووصولها لأهدافها، في استعادة مسار التحول الديمقراطي بقيادة مدنية.

فحالة التشاكس التي ترافق العملية السياسية منذ بداياتها، وفقا لرزق، ستستمر طالما أن القضايا الجوهرية للخلاف بين الأطراف كافة لم تجد تسوية مقنعة للجميع، بمن فيهم أطراف التسوية وخارجها وتلك المعارضة للتسوية.

ويتابع “لذلك فإن المرحلة الانتقالية، الممتدة منذ 4 سنوات ولحين إجراء الانتخابات في نهايتها، ستظل عرضة للاهتزازات بفعل التناقضات الكامنة في العملية السياسية وأطرافها.

ومن الطبيعي، كما يقول رزق، “ألا يسمح المجتمع الدولي لنفسه بالفشل في تفكيك أزمة السودان على غرار فشله في ليبيا، مشددا على أن المجتمع الدولي سيجتهد في أن تحقق العملية السياسية النجاح بعد أن شارفت على نهايتها”.