نشرت مجلة “فورين أفيرز” (Foreign Affairs) الأميركية مقالا تناول بالتحليل تراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط.
وجاء في المقال أن الولايات المتحدة عشية الحرب على العراق قبل 20 عاما كانت في ذروة نفوذها في العالم العربي بعد خروجها منتصرة في الحرب الباردة، لكنها مع ذلك كانت مثخنة بجراح هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
ووصفت الكاتبة مينا العريبي، في المقال الذي نحن بصدده، تأثير ذلك النفوذ بأنه كان سياسيا إلى حد كبير، لكنه كان أيضا طموحا.
كانت أقرب حليف إلى العرب
ووفقا للكاتبة، لطالما نظر القادة العرب إلى واشنطن على أنها أقرب حليف إليهم وغالبا ما كانوا يتلقون التوجيهات منها، بينما رأى العديد من الليبراليين بالمنطقة في الولايات المتحدة بطلة الحريات المدنية وحقوق الإنسان.
غير أن هذا لم يعد صحيحا، فقد كانت حرب العراق الشرارة التي أدت إلى تراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، إلى جانب العديد من الأحداث الأخرى، كما تعتقد العريبي.
وما إن اندلعت الحرب حتى برزت الولايات المتحدة “كقوة مطلقة” لا تعير اهتماما كبيرا للقانون الدولي أو الدعم من حلفائها، وأطاحت بحكومة لم تبادر بمهاجمتها أبدا، في إشارة إلى نظام الرئيس العراقي صدام حسين.
أبرزت عدم كفاءتها
وعزت الكاتبة عجز الجيش الأميركي “الجرار” عن دحر “المتمردين المحليين”، أو مجاراة المناورات الإيرانية داخل العراق، إلى عدم كفاءة الولايات المتحدة الذي سرعان ما تكشف بعد غزو تلك الدولة العربية.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة برهنت على قوتها “الساحقة” في حرب العراق، فقد كشفت أيضا عن ضعف حيلتها في إنهاء الحرب وفق شروطها، كما تقول العريبي.
وعدّت الكاتبة إقدام أميركا على خوض الحرب في العراق دون إذن من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بمنزلة “الضربة الأولى” لسمعتها الدولية، والنظام القائم على القواعد “التي عملت بجد لدعمها”.
مزيج من الجهل والغطرسة
وحسب الكاتبة، فقد كتبت تصرفات الولايات المتحدة، أثناء احتلالها العراق، نهايتها كقوة عظمى رائدة في العالم.
ولفتت إلى أن الولايات المتحدة أظهرت مزيجا من “الجهل والغطرسة”، أخذت به العراقيين وآخرين في المنطقة على حين غرة، مضيفة أن قراراتها -بصفتها قوة احتلال- المتمثلة في حل الجيش العراقي والعديد من مؤسسات الدولة جعلت العراقيين يتشككون في نوايا واشنطن.
وزعمت أن الولايات المتحدة لم تتعاف تماما من مغبة التفريط في نفوذها الهائل الذي كانت تتمتع به بين صناع القرار في المنطقة قبل بدء الحرب، فقد تجلى ذلك -برأي العريبي- في عدم قدرتها في عام 2022 على إقناع حلفائها العرب الرئيسيين بأن يحذوا حذوها تجاه أوكرانيا، وذلك ما “أكد ضعفها”.
لم تتصرف كقوة احتلال مسؤولة
ومضت الكاتبة في سياق تعليلها لتراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط إلى القول إن الولايات المتحدة أحجمت منذ غزوها العراق عن الاضطلاع بدورها كقوة احتلال، “فقد كان من شأن توفير الأمن للمرافق الرئيسة، مثل المستشفيات والوزارات الحكومية، أن يساعد العراق على الاستقرار”. كذلك سمح تقاعسها عن حراسة الحدود العراقية للمقاتلين الأجانب بدخول البلاد بسهولة ليعقب ذلك نشوء تنظيم القاعدة في العراق “الذي أصبح فيما بعد تنظيم الدولة الإسلامية”.
وذكرت العريبي أن القادة في الشرق الأوسط يخشون من أن تطيح واشنطن بهم على غرار ما حدث للعقيد الليبي الراحل معمر القذافي.
وقالت إنه على الرغم من أن حرب العراق لم تكن وحدها التي شكلت مسار العلاقات الأميركية العربية على مدى العقدين الماضيين، فإنها ألقت بظلالها القاتمة على نظرة المنطقة إلى الولايات المتحدة.
تردد في دعم أوكرانيا
ثم إن هناك تصورا في المنطقة بأن الإدارات الأميركية المتعاقبة لا تستطيع صون مواقفها في السياسة الخارجية، وذلك ما جعل حلفاء واشنطن يترددون في دعم أوكرانيا، على حد تعبير الكاتبة.
ومع ذلك، ترى العريبي أن الولايات المتحدة لا تزال تتمتع بنفوذ هائل رغم تراجع مكانتها في الشرق الأوسط، حيث ما برحت تحتفظ بأكبر وجود عسكري في المنطقة.