نشرت مجلة “فورين أفيرز” (Foreign Affairs) الأميركية مقالا تناول كاتبه بالتحليل الأوضاع داخل روسيا في ظل الحرب التي تخوضها ضد أوكرانيا ومواقف شعبها منها.
ووصف أندريه كوليسنيكوف، وهو باحث أول في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، في مقال له بالمجلة الأميركية، التحولات التي تطرأ في موقف الشعب الروسي إزاء الحرب بأنها “جبهة ثانية” للرئيس فلاديمير بوتين و”معركة من أجل الروح الروسية”.
وقال إنه لم يعد أمام عامة الروس تبنّي مواقف سلبية تتجاهل ما يحدث داخل بلادهم، بعد أن كان ذلك هو الحق الوحيد الذي طالما تمتعوا به على مدى أكثر من عقدين من حكم بوتين.
الانصياع أحد شروط المواطنة الصالحة
واليوم السبت، أصبح الانصياع للنظام الحاكم وإظهار الدعم لـ”العملية الخاصة” في أوكرانيا شرطين ضروريين تقريبا للمواطنة الصالحة في روسيا، طبقا لكوليسنيكوف.
ويقول الكاتب إن روسيا الجديدة “المطيعة” -في نظر بوتين- لا تقل أهمية عما يحدث في أوكرانيا؛ فمنذ بداية الغزو ظل الكرملين يخوض غمار “حرب ثانية” داخل روسيا نفسها، وهي حرب “من المستبعد أن تنجلي حتى لو تجمد الصراع في أوكرانيا”.
ويزعم كاتب المقال أن رحى الحرب الروسية في الداخل بدأت تدور قبل وقت طويل من غزو أوكرانيا، فعلى مدار العقد المنصرم استطاع بوتين استنهاض رغبة شعبه في استعادة مجدها الإمبراطوري، وثمة اعتزاز متزايد بقدرة روسيا على الاعتماد على مواردها الذاتية وصورتها كدولة قوية مدججة بالسلاح النووي و”المرتزقة المتوحشين”، في إشارة على ما يبدو إلى مجموعة فاغنر شبه العسكرية.
تحولات “نحن وهم”
لكن التحول في المواقف الشعبية تزامن أيضا مع تغير مختلف وأكثر أهمية يتمثل في علاقة الروس بالنظام الحاكم. ففي السابق كان نموذج “نحن وهُم” أو النموذج الذي يقسم المجتمع بين مؤيد ومعارض هو السمة التي طالما اتصف بها المجتمع الروسي، إذ كانت لفظة “نحن” تعني العوام من الناس، بينما “هُم” تشير إلى النخبة سواء من هم في السلطة أو “أولئك الذين كانوا يعيشون في القصور ويقضون عطلاتهم على اليخوت، وينظرون إلى الناس بازدراء”.
أما اليوم فإن كلمة “نحن” تعني كل الروس، كما يقول الكاتب، بينما تشير لفظة “هم” إلى القوى المعادية التي تحاول تمزيق الأراضي الروسية التاريخية، متمثلة في أوروبا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة.
الحرب أصبحت نمط حياة
ويمضي كوليسنيكوف إلى الاعتقاد بأن النظام الروسي أثبت براعته في تصدير البضائع إلى الشرق واستيراد المواد المهربة عبر تركيا أو بعض دول آسيا الوسطى، على سبيل المثال. كما أن سياسات البنك المركزي والإدارة الاقتصادية “الفعالة نسبيا” أنقذت بوتين من اتهامه بالفشل الاجتماعي والاقتصادي، وهو نجاح يعود الفضل فيه إلى رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين الذي زادت شعبيته جراء ذلك.
ويخلص مقال فورين أفيرز إلى أن الحرب لم تعد في نظر أنصار بوتين “النشطين” و”المنصاعين السلبيين” مجرد حدث يومي، بل غدت نمط حياة.