في باخموت المحاصرة، تتلقى الشرطة العديد من المكالمات من سكان المدينة الذين رفضوا الخروج منها من قبل، وأصبحوا الآن يتوسلون السلطات لإنقاذهم.
في باخموت المحاصرة بالكامل تقريبا، والتي لم تعد صالحة للسكن، تتلقى الشرطة العديد من المكالمات من سكان المدينة الذين رفضوا الخروج منها من قبل، وأصبحوا الآن يتوسلون السلطات لإنقاذهم.
ومن بين المستغيثين بالشرطة من لديهم أطفال كان ينبغي أن يعهدوا بهم للسلطات الأوكرانية لإجلائهم، لكن الأوان قد فات، وقد نُقل أكثر من 16 ألف قاصر إلى الأراضي الروسية منذ بداية الحرب.
هذه خلاصة تقرير لصحيفة “لوفيغارو” (Le Figaro) الفرنسية، يروي فيه مارغو بن، مبعوثها الخاص إلى كوستيانتينيفكا بأوكرانيا، قصص مهمات إجلاء لبعض الأطفال في باخموت نفذتها فرقة “الملائكة البيض” في الشرطة الأوكرانية، رغم القصف وعرقلة بعض الآباء عمليات الإجلاء.
يبدأ المراسل بقصة الطفل بوهدان (8 أعوام) الذي كان يلعب بمفرده في منزل الجيران، حيث تركه والداه اللذان ذهبا في زيارة عزاء، قبل أن يسقطا في قصف على أحد جسور المدينة لن يعودا بعده أبدا.
طار الخبر بسرعة ليصل إلى الصغير الذي انسل -في غفلة من الجار- على متن دراجة وجدها في فناء المنزل، فوصل إلى الجسر ووقف أمام جثتي والديه، قبل أن يلتحق به الجار الذي حاول لعدة ساعات إعادته وهو يرفض حتى حلول الظلام.
بقي بوهدان مع جاره 3 أيام، انتشل خلالها موظفو البلدية الجثتين ودفنوهما. ويقول أحد عناصر الشرطة ممن كلفوا بانتشال الضحايا، ويدعى بافلو دياتشينكو (39 عاما)، “كانت المهمة التي أوكلتها إليّ السلطات هي استعادة جثتي زوجين بالغين، لكن الجسر الذي كان من المفترض أن يوصلنا إلى منطقتهما داخل باخموت كان قد دمر للتو، فانقلبنا راجعين قبل أن نعلم بعد ساعات أن الزوجين المتوفين لديهما طفل لم يمت معهما”.
ودون تردد -كما يقول المراسل- عاد فريق “الملائكة البيض”، وهو اسم يطلقه السكان المحليون على وحدة شرطة دونباس التي تقوم بإجلاء المدنيين في خضم القتال وأحيانا جثثهم، إلى باخموت ليعبروا المجرى المائي على الأقدام ويأخذوا بوهدان الصامت المصاب بصدمة، ويخرجوه من باخموت مشيا على الأقدام تحت القصف.
برنامج لأيتام الحرب
نقلت الفرقة بوهدان، الذي بدأ يستأنس بالكلب المرافق للشرطة، إلى بلدة كوستيانتينيفكا التي لم تصلها الحرب، ليأخذ قسطا من الراحة قبل السفر إلى كييف، ثم إلى إسبانيا لتلقي العلاج لمدة 3 أسابيع مع أطفال أوكرانيين آخرين.
تتكفل منظمة غير حكومية أوكرانية بعلاج بوهدان وأطفال آخرين من أيتام الحرب، وتقول مؤسستها أوكسانا لبيديفا إن “بوهدان طفل صغير مصاب بصدمة نفسية، لكنه حساس ورائع”، وتضيف “في البداية، كان البرنامج مفتوحا لجميع الأطفال المتضررين نفسيا من الحرب، ولكن في مواجهة ضخامة المشكلة، نحتفظ بالبرنامج للأطفال الذين فقدوا أحد والديهم أو كليهما بسبب الحرب”.
وأشار المراسل إلى أن 12 من بين 50 طفلا يشاركون في البرنامج، جاؤوا من منطقة دونيتسك، ومن بينهم بوهدان و3 فتيات صغيرات قتل والدهن عند باب منزله، فقمن مع والدتهن بجر الجثة إلى داخل المنزل، ليعشن معها 8 أيام لأن الوضع كان خطيرا للغاية وكان من المستحيل على رجال الإنقاذ الوصول إليهن، وفق أحد المسؤولين بالمنظمة.
إجلاء قسري
في بداية شهر مارس/آذار الجاري، صدرت تعليمات للفرق المكلفة بعمليات الإجلاء، ومن ضمنها “الملائكة البيض”، بإجلاء الأطفال من البلدات الأكثر تضررا من القتال مهما كلف ذلك، وبغض النظر عما يقوله آباؤهم.
وقد أدى ذلك إلى بعض المشاكل، كما يقول بافلو دياتشينكو، حيث يرفض بعض الناس القرار ويخفون أطفالهم، إما بسبب عدم توفر مكان يذهبون إليه، وإما لأنهم يرون أن الخطر ليس وشيكا وأنهم بأمان في أقبية منازلهم.
ومع ذلك “يجب على الآباء المترددين أن يضعوا في الاعتبار المادة 166 من القانون الجنائي التي بموجبها يمكن تحميل الوالدين المسؤولية الجنائية إذا تعمدوا تعريض أطفالهم لخطر جسدي”، كما ذكرت إيرينا فيريشوك نائبة الوزير الأول الأوكراني.
وكان آخر إخلاء من باخموت قامت به فرقة بافلو دياتشينكو من “الملائكة البيض” في الثالث من مارس/آذار الحالي، وبعد ذلك يقول بافلو دياتشينكو إن “الوضع أصبح خطيرا للغاية، وحاولنا القيام بمزيد من عمليات الإجلاء، وطلبنا من الناس الحضور لمقابلتنا في ضواحي المدينة، لكن القصف كان كثيفا لدرجة أننا اعتقدنا جميعا أننا سنموت، وفر السكان الذين حاولوا القدوم إلينا”.