اتفق ضيفا “الاتجاه المعاكس” على أن نجم فرنسا في القارة الأفريقية إلى أفول، لكنهما اختلفا حول ما إذا كان ذلك خروجا طوعيا من طرفها، أم هو بمثابة طرد لها من قبل دول القارة السمراء، واستبدال “استعمارها الحديث” بحضور روسي مختلف.
وفي حلقة البرنامج (2023/7/3)، أرجع جون مسيحة، الخبير في العلوم السياسية والاقتصاد وعضو التيار الوطني في فرنسا، هذا الأفول إلى أن القيادات الفرنسية خلال الأربعين سنة الماضية لم تعد تؤمن بالقوة الإستراتيجية لبلادها في الخارج، وهو الأمر الذي انعكس بانسحاب متدرج للقوات الفرنسية من أفريقيا.
ومع تأكيده على أن هذا الخروج طوعي دون إجبار، ذكر مسيحة سببا آخر لهذا الخروج، وهو مغازلة القيادات الأفريقية شعوبها عبر إرجاع أي تأخر وفشل للوجود الفرنسي في البلاد، ومن ذلك ما فعله الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي مانويل ماكرون السبت الماضي، حين طالبه بالنظر إلى بلاده باحترام وكشريك حقيقي وليس بنظرة أبوية وإملاءات.
وفي سياق هذا التأكيد، يتساءل مسيحة عن السبب الذي يدفع ماكرون للذهاب إلى تلك الدول ومحاولة تبرير انسحاب بلاده، في الوقت الذي تتقدم فيه دول أخرى مثل روسيا والصين لملء الفراغ الذي ستتركه باريس بعد انسحابها.
ونفى عضو التيار الوطني أن يكون تاريخ الوجود الفرنسي في أفريقيا قائما على سرقة مقدراتها، واصفا ذلك بالسذاجة في التحليل، ومؤكدا أن فرنسا تدفع في مقابل ما تحصل عليه من ثروات أفريقية بسعر السوق.
واستبعد أن تستطيع روسيا أو الصين سد الفراغ الذي ستتركه فرنسا بعد انسحابها، لافتا في هذا السياق إلى أن الوجود الفرنسي لم يكن محصورا في الساحة العسكرية والاقتصادية فقط، وإنما كان لها وجود ثقافي يصعب على غيرها ملأه.
واعتبر في هذا السياق أن المحاولات الروسية للوجود في أفريقيا سيكون تأثيرها مؤقتا، متوقعا أن تندم الدول الأفريقية على موقفها من الوجود الفرنسي، وربما تسعى لاحقا لاستعادته.
في المقابل، يرى محمود الأفندي، الخبير في الشؤون الروسية والذي تحدث للبرنامج من موسكو، أن روسيا ستساعد تلك الدول الأفريقية على تحررها من الاستعمار الفرنسي الحديث، واستعادة استقلالها السياسي والاقتصادي.
وأضاف في هذا السياق “هناك 14 دولة أفريقية تحت الاستعمار الفرنسي الحديث”، ونفى أن تخرج باريس طواعية من أفريقيا، وإنما هي مجبرة على ذلك بعد توفر الدوافع الكثيرة لدى الدول الأفريقية لإخراجها.
وبحسب الأفندي، فإن روسيا تختلف عن فرنسا في علاقتها مع دول أفريقيا، حيث إنها تتعامل معها باعتبارها دولا ذات سيادة، وتقدم لها الدعم المطلوب عبر الترابط السياسي والشراكة العسكرية.
وفي هذا الإطار، ذكر أن روسيا تمتلك سمعة قوية وإيجابية ورثتها عن الاتحاد السوفياتي في دوره الذي قام به لتحرير عدد من الدول الأفريقية من الاستعمار، وهو الأمر الذي أثمر علاقات وطيدة بين موسكو وتلك الدول، حيث إنها -حسب تقديره- تعلم أن روسيا لا تسرقها.
وشدد على أن روسيا ليست دولة إمبريالية مستعمرة، إنما هي “تقدم الاستقلال الحقيقي وهدفها تحرير الشعوب”، وتسعى في سبيل ذلك لمساعدة الدول على بناء بنيتها التحتية التي دمرتها دول الاستعمار، حسب قوله.
وقال إن تدخل روسيا ومشاركتها في خلع الاستعمار الفرنسي من شأنه أن يساعد في استقطاب الاستثمارات للدول الأفريقية، وسيساعد هذه الدول على استعادة سيادتها العسكرية والسياسية والاقتصادية، ويمكن للشركات الأمنية الروسية أن يكون لها دور في تعزيز الأمن بالقارة السمراء.